2011/10/09

الإنـتـمـــاء

شذرات
قلم

الانـتـمـــاء



الانتماء للوطن نابع من حبه، وحب الوطن غريزة جبلية فطر عليها الإنسان، وكذا الحيوان وسائر ‏المخلوقات، فهي تحب أوطانها وتنتمي إليها ومتى غادرتها بأي سبب كان تغيرت حالتها وأسلوب ‏حياتها لكي تتأقلم مع الموطن الجديد الذي تعيش فيه؛ مع حنينها لموطنها الأصلي الذي رامته ونشأت ‏فيه، وتموت وهي تفكر بالعودة إليه إن لم تكتب لها العودة.‏

وقد عززت شريعتنا الإسلامية السمحة ذلك، بل أن هناك من جعل حب الوطن والانتماء إليه عقيدة ‏يدين الله بها، وعقيدة الانتماء واسعة لا حدود لها؛ فكل ينتمي لما يحب ويعشق، إلا أن الانتماء للوطن ‏يبقى هو الأصل والأساس بين سائر الانتماءات، وهو المهيمن عليها عند الانتماء للقومية أو للثقافة أو ‏للهوية أو للأمة، فالانتماء للوطن هو الجامع لكل الانتماءات، ويبرز صدق هذا الانتماء في مدى حب ‏الوطن والاعتزاز بالانضمام إليه والتضحية من أجله، للحفاظ على موطنه والمكان الذي يجد ذاته فيه ‏لارتباطه فيه منذ مولده ونموه فيه في أحضان أسرته ومحيط أقرانه وأقاربه وأصدقاءه ومجتمعه ‏وبيئته.‏

والانتماء ليس شعارات تردد، بل هو قيم مهمة تتمثل في قدر وقيمة الحب لهذا الوطن والمجتمع الذي ‏ينتمي إليه، ومقدار حرصه عليه وتفاعله معه في كل شؤونه وأموره التي تحقق الانتماء الحقيقي ‏وتماسك أركان الوطن ونجاحه في الصمود لتحقيق الأمن والاستقرار والتنمية والعيش الرغيد، وبناء ‏حضارة وطنية على قاعدة صلبة من الحب والتعاون.‏

ولا شك أن هناك عوامل تعزز قوة درجة الانتماء للوطن؛ كوضوح الهوية وتحقيق العدالة وأداء ‏الحقوق والقيام بالواجبات بشكل تفاعلي دائم بين الأخذ والعطاء، واختلال أي منها ينعكس سلبًا على ‏قوة الانتماء؛ ولا يعني هذا الانفكاك الكامل عن الوطن والانتماء لغيره.‏

ولعل من أهم مقومات الانتماء للوطن وزراعتها في نفوس الناشئة هو ما تنميه وتزرعه الأسرة في ‏أبنائها من ولادتهم ليترعرعوا في تنشئتهم من محيط الأسرة إلى البيئة التي ينشؤون فيها من العائلة ‏والحارة والمسجد والمدرسة والمجتمع والإعلام لتكتمل تلك التنشئة بالوطن الكبير بعطائه لمواطنيه ‏وعدم حرمانهم من حقوقهم ليكون الانتماء منهم بأداء الواجبات، ولا يعني هذا أن الانتماء هو مصلحة ‏وتبادل منافع فقط، ولكن هذه مقومات ترسيخ الانتماء والحفاظ عليه وديمومته.‏

والانتماء ذو قيمة لا تقدر بثمن، وهو عاطفة جياشة داخل كل إنسان، تنبض بها عروقه ليضخ لنا قلبه ‏الحب وعقله الرشاد ليكون التوجيه الصحيح نحو الوطن ليشعر بالأمن والأمان بأحضان الوطن الدافئة ‏ليستقر ويستكن ويهدى روعه ويحميه من الشتات والضياع والاغتراب بين الأوطان، ليدفعه ذلك ‏للمشاركة الجادة في سبيل رفعة وطنه وتقديم النفس والنفيس فداء له.‏

وقد يكون من مظاهر هذا الانتماء؛ الاعتزاز باللغة الأم للوطن، وبالزي الوطني، والمصنوعات ‏الوطنية، والتمسك بالقيم العامة للوطن، دون النظر إلى مكونات الوطن من الأعراق والمذاهب ‏والثقافات واللهجات واللغات بكل روح تسامح وطنية عليا؛ دون المساس بالدين أو استنقاصه، وإنما ‏التسامح مع الآخر للعيش بود وسلام لصالح الوطن العام، خاصة في الأوقات العصيبة وأوقات الفتن ‏والمحن التي يكون الوطن بأمس الحاجة إلى الإنتماء الصادق من كل غيور على وطنه لتجنيبه ‏الأخطار.‏

وفقنا الباري لصدق الانتماء لوطننا الكبير بلاد الحرمين الشريفين ومهبط الوحي وقلب الإسلام ‏النابض، وحفظها من كل مكروه وأدام أمنها واستقرارها وعزها، وحفظ لنا قيادتنا الرشيدة الراشدة، ‏وأمد بعمر إمامنا وولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وسمو ولي عهده ‏الأمين وسمو النائب الثاني – حفظهم الله جميعًا وبارك في أعمارهم ومتعهم بالصحة والعافية والبسهم ‏لباس الإيمان والتقوى –.‏

شذرات بقلم
أبوعبدالعزيز
سليمان بن صالح المطرودي
المهـ رحال ـاجر
مانيلا
11/11/1432هـ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق