شذرات
قلم
الانـتـمـــاء
الانتماء للوطن نابع من حبه، وحب الوطن غريزة جبلية فطر عليها الإنسان، وكذا الحيوان وسائر المخلوقات، فهي تحب أوطانها وتنتمي إليها ومتى غادرتها بأي سبب كان تغيرت حالتها وأسلوب حياتها لكي تتأقلم مع الموطن الجديد الذي تعيش فيه؛ مع حنينها لموطنها الأصلي الذي رامته ونشأت فيه، وتموت وهي تفكر بالعودة إليه إن لم تكتب لها العودة.
وقد عززت شريعتنا الإسلامية السمحة ذلك، بل أن هناك من جعل حب الوطن والانتماء إليه عقيدة يدين الله بها، وعقيدة الانتماء واسعة لا حدود لها؛ فكل ينتمي لما يحب ويعشق، إلا أن الانتماء للوطن يبقى هو الأصل والأساس بين سائر الانتماءات، وهو المهيمن عليها عند الانتماء للقومية أو للثقافة أو للهوية أو للأمة، فالانتماء للوطن هو الجامع لكل الانتماءات، ويبرز صدق هذا الانتماء في مدى حب الوطن والاعتزاز بالانضمام إليه والتضحية من أجله، للحفاظ على موطنه والمكان الذي يجد ذاته فيه لارتباطه فيه منذ مولده ونموه فيه في أحضان أسرته ومحيط أقرانه وأقاربه وأصدقاءه ومجتمعه وبيئته.
والانتماء ليس شعارات تردد، بل هو قيم مهمة تتمثل في قدر وقيمة الحب لهذا الوطن والمجتمع الذي ينتمي إليه، ومقدار حرصه عليه وتفاعله معه في كل شؤونه وأموره التي تحقق الانتماء الحقيقي وتماسك أركان الوطن ونجاحه في الصمود لتحقيق الأمن والاستقرار والتنمية والعيش الرغيد، وبناء حضارة وطنية على قاعدة صلبة من الحب والتعاون.
ولا شك أن هناك عوامل تعزز قوة درجة الانتماء للوطن؛ كوضوح الهوية وتحقيق العدالة وأداء الحقوق والقيام بالواجبات بشكل تفاعلي دائم بين الأخذ والعطاء، واختلال أي منها ينعكس سلبًا على قوة الانتماء؛ ولا يعني هذا الانفكاك الكامل عن الوطن والانتماء لغيره.
ولعل من أهم مقومات الانتماء للوطن وزراعتها في نفوس الناشئة هو ما تنميه وتزرعه الأسرة في أبنائها من ولادتهم ليترعرعوا في تنشئتهم من محيط الأسرة إلى البيئة التي ينشؤون فيها من العائلة والحارة والمسجد والمدرسة والمجتمع والإعلام لتكتمل تلك التنشئة بالوطن الكبير بعطائه لمواطنيه وعدم حرمانهم من حقوقهم ليكون الانتماء منهم بأداء الواجبات، ولا يعني هذا أن الانتماء هو مصلحة وتبادل منافع فقط، ولكن هذه مقومات ترسيخ الانتماء والحفاظ عليه وديمومته.
والانتماء ذو قيمة لا تقدر بثمن، وهو عاطفة جياشة داخل كل إنسان، تنبض بها عروقه ليضخ لنا قلبه الحب وعقله الرشاد ليكون التوجيه الصحيح نحو الوطن ليشعر بالأمن والأمان بأحضان الوطن الدافئة ليستقر ويستكن ويهدى روعه ويحميه من الشتات والضياع والاغتراب بين الأوطان، ليدفعه ذلك للمشاركة الجادة في سبيل رفعة وطنه وتقديم النفس والنفيس فداء له.
وقد يكون من مظاهر هذا الانتماء؛ الاعتزاز باللغة الأم للوطن، وبالزي الوطني، والمصنوعات الوطنية، والتمسك بالقيم العامة للوطن، دون النظر إلى مكونات الوطن من الأعراق والمذاهب والثقافات واللهجات واللغات بكل روح تسامح وطنية عليا؛ دون المساس بالدين أو استنقاصه، وإنما التسامح مع الآخر للعيش بود وسلام لصالح الوطن العام، خاصة في الأوقات العصيبة وأوقات الفتن والمحن التي يكون الوطن بأمس الحاجة إلى الإنتماء الصادق من كل غيور على وطنه لتجنيبه الأخطار.
وفقنا الباري لصدق الانتماء لوطننا الكبير بلاد الحرمين الشريفين ومهبط الوحي وقلب الإسلام النابض، وحفظها من كل مكروه وأدام أمنها واستقرارها وعزها، وحفظ لنا قيادتنا الرشيدة الراشدة، وأمد بعمر إمامنا وولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وسمو ولي عهده الأمين وسمو النائب الثاني – حفظهم الله جميعًا وبارك في أعمارهم ومتعهم بالصحة والعافية والبسهم لباس الإيمان والتقوى –.
شذرات بقلم
أبوعبدالعزيز
سليمان بن صالح المطرودي
المهـ رحال ـاجر
مانيلا
11/11/1432هـ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق