2011/12/25

الهدف في الحياة !؟!

شذرات قلم
الهدف في الحياة !؟!

كثيرًا ما نسمع ونقرأ هذا السؤال: ما هدفك في الحياة؟
واعتقد بأننا لا نجيب عليه وإن أجبنا كانت إجابة عامة وبعيدة عن عين الإجابة الحقيقية والمعنية!
وأنا هنا سوف أنثر شذرات قلمي في محاولة للتقريب للإجابة الصحيحة والله أسأل أن يوفقني لذلك.
مع علمي ويقيني بأن أهل العلم والاختصاص قد أجابوا عنها؛ ولكني أشارك بتلك الشذرات بعد مناقشة بيني وبين عدد من الأصدقاء في رحلة (كشتة) كانت خلال إجازة الأسبوع الماضي خارج مدينة الرياض؛ وضمن ما يطرح هنا وهناك وفي المجالس واللقاءات بين الصحبة والأصدقاء للوصول إلى إجابة على هذا التساؤل: (ما هدفك في الحياة؟).
بالطبع الكثير يقول هدفي في الحياة إكمال دراستي والحصول على وظيفة والزواج وبناء بيت وتعليم الأبناء والفوز برضاء الوالدين، وأن أكون عضوًا نافعًا في المجتمع إلى غير ذلك من الآمال والطموحات والأهداف، وبالطبع هذه أهداف عامة والكل ينشدها، ولكن ما هو الهدف الحقيقي الذي يجب علينا تحقيقه في الحياة الدنيوية؟
ويمكن أن نتوصل للإجابة الحقيقية لهذا السؤال عندما ندرك المفهوم الحقيقي للحياة كقيمة ذات معنى؛ إذ أن الحياة نعمة من الباري وهبها لعباده، ولا يمكن أن ندرك هذه النعمة إلا إذا أدركنا الغاية من وجودنا فيها، وهذا واضح وجلي بقولة تعالى: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون).
فمتى عقلنا وأدركنا تلك الغاية من الخلق، كان منا أولاً شكر المنعم الخالق –سبحانه وتعالى– على ما أنعم به علينا في هذه الحياة، وثانيًا العمل لتحقيق تلك الغاية الإلهية، وهي عبادته –عز وجل– على الوجه الذي يرضيه عنا، وفق ما شرع لنا دون إي إخلال في ذلك، وبالطبع هذا الالتزام سوف يقودنا إلى السير في الحياة بنور وهدى من الله، ومن ثم تحديد أهدافنا الدنيوية التي تقودنا لتحقيق الهدف الأخروي، وهو الفوز برضى الله –سبحانه وتعالى– والجنة.
ومن هذا يتضح ويتبين لنا أن الأهداف مترابطة ومتداخلة في حلقات يكمل بعضها بعضًا، فلا يمكن أن ينفك هدف عن الهدف الآخر، وبالتالي سوف ترتقي أهدافنا وتكون بمجلها أهداف ربانية لأننا سوف نضع أهداف سامية بسمو هدفنا الجوهري، وسوف نسير بخطأ ثابتة على نور وهدى من الله – سبحانه وتعالى– لتحقيق أهدافنا المرحلية؛ متى ما أدركنا حقيقة وجودنا.
ولعل هذا يقودنا إلى تحديد الهدف الثالث بعد شكر المنعم والعمل على تحقيق الغاية الإلهية من خلق العباد، وهو عبارة عن مجموعة أهداف (أهداف مرحلة حياتية) متفرعة ومتشعبة ومتنوعة، ويمكن تشبيهها بالشجرة ذات الأغصان والفروع الكثيرة والمتداخلة، ومن تلك الأهداف هو المصالحة الإيجابية مع النفس وإحكام السيطرة عليها وعدم الاستسلام ولانقياد لها؛ لأن النفس لا تصلح للقيادة فهي تميل للمغريات أكثر منها للعبادات، فالتصالح معها يُمكن صاحبها من الإمساك بزمام القيادة وتوجيهها الوجهة الصحيحة.
فمن أجل تحقيق النجاح وصعود سلم المجد في الحياة؛ فهذا لن يكون إلا بعدد من الخطوات، منها تحديد الهدف، وعمل جدول زمني لتحقيقه، والطريق الذي يجب سلوكه لتحقيق هذا الهدف، وغير ذلك من الخطوات التي لا بد أن نتبعها لتحقيق ذلك، وبالطبع ما ينطبق على هذا الهدف ينطبق على غيره من الأهداف، فالخطوات في الجملة هي خطوات واحدة تقريبًا مع مراعاة نوعية الهدف ليتم تحديد كل الخطوات بوضوح وسلاسة.
يمكن هنا أن يشير إلى أهم تلك الخطوات في ما يلي:

  • – تحديد الهدف الذي نرغب ببلوغه وتحقيقه بكل وضوح.
  • – التوكل على الله – سبحانه وتعالى– وإتباع طريقه المستقيم، ولزوم الأذكار والاستغفار، فقد أوصانا الحبيب –صلى الله عليه وسلم– بذلك: "من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجًا ومن كل هم فرجًا ورزقه من حيث لا يحتسب".
  • – تحديد الطريق الذي يجب السير فيه.
  • – تعزيز الثقة بالله –سبحانه وتعالى– ثم بالنفس، ومعرفة القدرات والمهارات الكامنة في داخلنا ومن ثم العمل على استغلالها الاستغلال المناسب والأمثل لتحقيق الهدف، بكل صدق وعمل دؤوب، ويقول الشاعر:

وما نـيـل المطــالـــب بالـتمنــي ... ولكن تؤخـــذ الدنـيا غلابـــا
وما استعصى على قوم منال ... إذا الإقدام كان لهم ركابــا
  • تحديد الفترة الزمنية لتحيق هذا الهدف وبلوغ القمة، مع الأخذ في الحسبان أن هناك محطات يجب أن نتوقف فيها للمراجعة والمحاسبة وتصحيح المسار واستعادة القوة والنشاط؛ وكذا الاحتياط لمحطات نلزم بالوقوف فيها بغير اختيارنا نتيجة العوائق والمطبات والمنعطفات التي تكون في الطريق، فمن المهم أن تكون محطات هذه التوقف في الحسبان عند تحديد الفترة الزمنية المطلوبة، وأن لا تكون عائقًا أمامنا، أو تكون سببًا لليأس والاستسلام لما سوف نواجهه خلال مسيرًا لتحقيق أهدافنا، وأن لا تكون تلك العوائق مانعة من متابعة خطوات تحقيق ما نطمح إليه؛ بل يجب علينا أن نعد العدة لتحمل المخاطر والمشاكل التي سوف نصل من خلال السيطرة عليها وتجاوزها للهدف المنشود بإذن الله.
  • الحذر ممن ليس لهم هم إلا سلب الأهداف الطموحة والتقليل منها، وحب صعود المجد على أكتاف الناجحين، فهؤلاء لصوص يندسون تحت أجنحة المحبة والصداقة والأخوة لبلوغ القمة على حساب الآخرين.
  • عدم الانشغال بما لا فائدة فيه، والانشغال بالهدف المحدد فقط والإقدام عليه بكل قوة وعدم البعد عنه أو الإحجام، يقول ابن القيم –رحمه الله– : (النفس فيها قوتان: قوة الإقدام، وقوة الإحجام، فحقيقة الصبر أن يجعل قوة الإقدام مصروفة إلى ما ينفعه، وقوة الإحجام إمساكًا عما يضره).
  • ترتيب وتنظيم الوقت وشؤون الحياة الخاصة والأسرية والوظيفية، وشؤون الحياة عمومًا، وتحديد الأولويات حسب أهميتها ووفق خارطة طريق خاصة بذلك.
  • اختيار الجلساء المُعينين على تحقيق الهدف والمحفزين لذلك من أهل العزيمة وقوة الإرادة.
  • ومن المهم أن تكون أهدافنا في الحياة الدنيوية أهداف معقولة ومقبولة ويمكن لنا تحقيقها، وأن تكون متلائمة مع قدراتنا وطبيعتنا وإمكاناتنا، وأن لا تكون أهداف خيالية وغير منطقية ولا يمكن تطبيقها وتحقيقها والوصول إليها ضرب من ضروب الخيال.

وغير ذلك من الخطوات الإيجابية التي تمكننا من تحقيق أهدافنا وغاياتنا وكل ما نطمح إليه –بإذن الله تعالى–.

فمت كانت أهدافنا واضحة جلية متلائمة مع قدراتنا وإمكاناتنا وطبيعتنا، كان لحياتنا قيمة ومعنى، وكانت تلك الأهداف حافزًا للبذل والعطاء وتجاوز كل العقبات ومواصلة السير دون كلل أو ملل، لتحقيق هدفنا الجوهري وأهدافنا الحياتية المرحلية.

ولتكن غايتنا في هذه الحياة هي الفوز برضى الله –سبحانه وتعالى– في الدنيا والآخرة، فمن كانت هذه غايته كانت كل غاياته الدنيوية في هذا الإطار ووفق هذا المنظور الذي لن يخيب أمل ورجاء كل من سعى إليه، فكل الغايات عند ذلك سوف تكون داخلة ضمن تلك الغاية السامية وهي رضى الله –سبحانه وتعالى– فغاية نيل رضى الوالدين، هي من طاعة ورضى الله، وغاية رضى الزوج، هي من طاعة الله ورضاه، وغاية الصلاح والاستقامة في كل شؤون الحياة، هي من طاعة الله ورضاه، وغاية صلاح الذرية وتنشئتها تنشئة إيمانية صحيحة، هي من طاعة ورضى الله، وكل غاية يرتجى فيها حب الله وطاعته تصب في النهاية في مضمون الغاية السامية وهي رضى الله –سبحانه وتعالى– والفوز بالجنة، فتكون الحياة الدنيوية جنة والأخروية جنة، قال –سبحانه وتعالى– في محكم التنزيل: (من عمل صالحًا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن مما كانوا يعملون).

فكل الأهداف والغايات والطموح التي لا ترتبط بطلب رضى الباري –عز وجل– لا قيمة لها وإن تحققت، ولا قيمة للإنسان ولا احترام له إذا خسر رضى الرحمن –سبحانه وتعالى– لأن رضى الإنسان عن نفسه وحياته مرتبط ودائر مع رضى الله –تبارك وتعالى– وهنا اعتقد وأجزم أن هذه الغاية الحقيقية من الحياة، فمن فاز برضى الله –سبحانه وتعالى– فقد فاز بكل شي وحقق الهدف الأسمى والغاية المنشودة في الحياتين الدنيوية والأخروية، فهدف المؤمن وغايته سامية عالية شامخة تدور في إرضاء الخالق للحصول على رضاه بنور وهدى منه –عز وجل–.

اللهم أشرح صدورنا لنورك وبصيرتك وهداك ورضاك وتوفيقك وتسديدك، واهدنا اللهم لأحسن الأعمال والأخلاق فإنه لا يهدي لأحسنها إلا أنت، وقنا اللهم سيئ الأخلاق والأعمال فإنه لا يقي سيئها إلا أنت سبحانك، وكتبنا اللهم من الفائزين برضاك وجعلنا قريبين منك مخلصين في كل أعمالنا وأقوالنا الظاهرة والباطنة، وارزقنا الفوز في الدنيا والآخرة، واكتبنا من عبادك الصالحين.

شذرات بقلم
أبوعبدالعزيز
سليمان بن صالح المطرودي
المهـ رحال ـاجر
1/2/1433هـ