2010/10/05

أنـا الحـســاس !!!



شذرات
قلم


أنـا الـحــســـــاس !!!




نسمع ونشاهد ونلحظ كثيرًا وصم فلان من الناس بإنه إنسان حساس !!!
وغالبًا ما نجد من يردد تلك الكلمة ويطلقها جزافًا على الناس لا يعرف معناها !!! ولا حتى حروفها !!
بل نجده قد سمع بها فطربت لها أذنه واستحلاها لسانه وأخذ يدندن بها هنا وهناك، دون مراعاة لأثارها ومستلزماتها وعواقبها وخلفياتها وكل شي عنها وحولها .
ولو قلنا له عرف لنا الإنسان الحساس يا من تدندن بها، لوقف مشدوهًا ولا تلعثم ولم يستطع النطق بحرف واحد !!
لأنه وبكل بساطة يجهل معناها، فهو كالببغاء يردد كل ما يسمع دون أن يفقه ما يقول ...
فعجبًا لأمره !!
فكل إنسان له صفات تختلف جذريًا عن غيره من البشر، فسبحان الخالق الذي خلق الخلق وجعل لكل منهم صفة تختلف عن غيره من البشر .
ومن تلك الصفات التي يتصف بها بعض الناس، صفة الحساسية، وهذه الصفة تختلف من فرد إلى أخر فمنهم من يكون مفرطًا بالحساسية من كل أمر، ومنهم من هو دون ذلك.
وقد قيل عن الإنسان الحساس، أنه : ( أكثر الناس فهمًا لنفسه وأقلهم إساءة للآخرين ) ويمكن أن نعرف الإنسان الحساس – مفرط الحساسية – بأنه : (الإنسان ذو الحساسية الزائدة الذي يتأثر سريعًا بما يشاهد أو يسمع من العوامل الخارجية المحيطة به) وهو (الإنسان الذي يعطي الأمور أكبر من حجمها، ويتأثر بها) وهذا يعتبر داء وعله .
والإنسان الحساس بطبعه يرى أنه إنسان صادق وأن أقواله وأفعاله صحيحه، دون أقوال وأفعال الآخرين التي لا يتقبلها بسهوله لكونها تحتمل عكس الصحة لديه، وينظر إليها من منظار الخطأ .
لذا فإننا نجد صعوبة في التعامل معه، لكون أي كلمة عفوية تجرحه، وإن كانت لا تعنيه، فيترجم ويفسر أقوال وتصرفات الآخرين من منظوره الخاص، فيحمل الأمور محامل أخرى لحساسيته، والأدهى والأمر أنه ينظر إلى الآخرين بأنهم حساسين ولا يتقبلون الأمور، فنجده يعيش في عزلة، وعند المناقشة ينسحب فورًا ويتعذر بأعذار غير مقبولة، بل يصل به الأمر عند الاعتذار أن يقول أنه اعتذر حتى لا يجرح مشاعر من حوله أو يثبط هممهم ويفشل أعمالهم لكونهم حساسين .
هذه هي الحساسية المفرطة وصاحبها.
والشخص ذو الحساسية المفرطة يحتاج إلى قدرة خاصة وفن في التعامل معه، إذا أن الخطاب والتعامل والتحاور معه لا يكون مباشرًا، بل لا بد من التحاور والتخاطب والتعامل مع قلبه وعواطفه التي بدورها تترجم ما نريد أن نخاطب به عقله، فمتى سيطرنا على عواطفه وقلبه استطعنا أن نتخاطب مع عقله، على أن نكون حذرين طول فترة تعاملنا معه، فلا نخطابه بالعنف أو بالشدة؛ بل نخاطبه باللين واليسير والهدوء .
فالتعامل مع الناس فن من الفنون التي يقل من يجيدها ويتقنها، فمعرفة الناس وصفاتهم وطريقة التعامل مع كل واحد منهم، أمر صعب لا يتقنه إلا صاحب الخبرة المتمكن من ذلك، ليستطيع المسايرة والمعايشة والتعامل معه دون أي تشنج أو مشادة تخرجهما عن الجادة الحق والطريق الصواب .

ولكن !!!
اليوم أصبح الناس يصمون كل من خالفهم بالإنسان الحساس !!
وكذلك من كان طيبًا ويملك قلبًا طيبًا قالوا عنه حساس !!!
وكذلك الإنسان المتسامح الذي لا يحب المشاكل ويتنازل عن حقه ، قالوا عنه حساس !!!
وكل عمل يعمله لا يروق لهم أو يكدر صفوهم ، مباشرة قالوا عنه حساس !!!!
والغريب أن من يبادر بهذا الوصف يكون أقرب الناس إليك !!؟؟؟!!

بينما الحساسية المتوازنة مقبولة وجميلة ولطيفة في حد ذاتها، بل أنها تجعل من صاحبها شاعرًا ذواقًا، وإنسان مقبولاً لدى الجميع، ومجالسته لا تمل والتعامل معه مكسب وخبرة.
ومع ذلك أستأذنك يا من وصمت الناس بالحساسية بهذه الهمسة :
لا تنشغل بالناس ونشغل بنفسك عنهم، ونقي قلبك من الضغينة والحقد والحسد، وتجاوز تلك العقبة بالحب والتسامح ونقاء القلب وجمال الروح ومحبة الآخرين والدعاء لهم، وعمل على تصحيح مسارك والتخلص مما أنت واقع فيه من تقصير ونقص في كل الجوانب، وتوكل على الحي الذي لا يموت – سبحانه وتعالى – فإنه هو من ينجيك مما أنت واقع فيه، لتعيش حياتك الدنيوية عاملاً لحياتك الأخروية التي هي موعد الخلق جميعهم .
وتذكر يا من وصمت بأنك حساس ولست كذلك؛ بأنك على خير وإلى خير قادم – بإذن الله تعالى – وقلب تلك الصفحة التي لطخها السواد من قاموس حياتك إلى صفحة بيضاء نقية تواصل بها طريقك نحو الهدف المنشود والقمة الشامخة، وتذكر بأن من وصمك بتك الأوصام إنما هو إنسان مقصر حاقد عاجز عن السير في الطريق الذي أنت تسير فيه .
وليس أمامه إلا الاستهزاء والاستنقاص منك بوصم وأخر لتعيش في جحيم وخذلان؛ لذا هو حرص على تلطيخ صفحات حياتك بالسواد رغبة في تكسير مجاديفك لمنعك من مواصلة المشوار والوصول للقمة والغاية التي ترقبها في جنة عرضها السماوات والأرض .
ولتكن تلك الكلمات مصادر طاقة لك لتعزيز الثقة بنفسك، ولتعينك على استعادة قواك لتواصل المشاور بكل عزم وقوة، دون ليونه أو خنوع لمأرب هذا المسكين الذي كشر عن أنياب الخيبة وفقدان الأمل .
إن الإنسان الحساس هو إنسان يعتز بذاته وبأفكاره وأعماله وما يقدمه من أعمال وما له من دور في الحياة والمجتمع ، لأنه إنسان صادق مع نفسه يحترم ذاته ويحترم من أمامه ويتأثر بما حوله وبالتالي يتفاعل مع الأحداث إيجابًا بكل ما يستطيع .
أما الإنسان الواصم فهو إنسان عديم الإحساس لا يحترم ذاته ولا جنسه ولا من حوله ولا يشعر بالآخرين ولا يتفاعل معهم إلا سلبًا ليعوض عما يشعر به من نقص؛ فهي محاولة المفلسين أمام الناجحين المتألقين .

ومتى رُميت بأوصام الاستنقاص فثق وتيقن بأنك إنسان مبدع وإنسان معطاء ، وإنسان اجتماعي متفاعل مع محيطك بكل ثقة واقتدار .
الإنسان الحساس ليس إنسانًا مائعًا دلوعًا صعب التعامل معه كما يصورونه؛ بل هو إنسان رقيق متفاعل مع من حوله بكل حواسه ومشاعره وإنسانيته .

الحساس هو إنسان جدًا مرهف؛ وبالتالي لا يتعامل مع الناس إلا بالطريقة التي تليق بهم، فتجده يتحرى ويبحث عن الأسلوب المناسب لكل إنسان على حده، وفق مايتناسب مع شخصية الذي أمامه، وبذلك يكون هو المتعب في كل الظروف والأحوال، وهذا لأنه يفكر مليون مرة قبل لا ينطق بالكلمة، بل ويخاف أشد الخوف من أن الكلمة قد تضايق متلقيها، بينما الناس – وهذه ظاهرة منتشرة – لا يكلفون أنفسهم عناء البحث عن الكلمات المناسبة التي لا تضايق من وجهت له،لذا نجد الإنسان الحساس متعبًا جدًا لشدة حرصه على انتقاء الكلمات والجمل، وطريقة التعامل مع الآخرين، وفي الوقت نفسه يعاني من زحام الكلمات التي يسمعها من أُناس لا تفكر فيما ستقوله قبل أن تطلق لألسنتها العنان في قذف الجمل والكلمات التي ربما تكون جارحة وقاسية في وقعها على المتلقي، وبين تفكيره كيف يتعامل مع كل إنسان وفق ما يرضيه وما يناسبه، فهو بمفهوم أوسع وأشمل "كأنه بين المطرقة والسندان" .
فالحساسية صفة جميلة إن وجدت في الإنسان، ولكن لمن يعرف أن يتعامل مع صاحب هذه الصفة بكل رقي ومصداقية، سيجد من خلال ذلك كل الانسجام والراحة، لأن صاحب هذه الشخصية لا يفكر مطلقًا بتنقيص قدر من أمامه، بل يمكن أن يعطيه من الوصف ما قد يكون صاحبه غافلا عنه.
فالحساسية المنتقدة والمنبوذة من بعض الناس من وجهة نظري؛ هي خصلة جميلة لمن يريد أن يتعرف على مواطن الجمال والراحة والشفافية والتعامل الراقي، ولمن يريد أن يدركها ويتلمسها عن قرب ويسعد بها .

ومن يفتقد تلك الصفة الإنسانية يلجأ إلى تصويرها بصور مشوهة ليخفي ما يعاني منه من عيوب لا ترتقي إلى ذاك الإنسان الذي حاز إعجاب الناس، وربعوه على القمة تكريمًا له وتقديرًا لما قدم ويقدم لهم من صدق ومحبة وتواصل، وهذا ما يفتقده الواصمون بالحساسية ...



شذرات بقلم
أبوعبدالعزيز
سليمان بن صالح المطرودي
25/10/1431هـ
القاهرة