2011/05/28

ذكرى البيعة والوفاء



شذرات
قلم

ذكرى البيعة والوفاء


سنوات الخير تتوالى وتتعاقب على بلاد الحرمين الشريفين بقيادة خادمهما الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود – متعه الله بالصحة والعافية وأمد بعمره على طاعته – لتحل الذكرى السادسة لمبايعة خادم الحرمين الشريفين ومنجزات الخير شاهدة في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والصحية، المحلية والإقليمية والدولة، لتشع على أرض مملكة الإنسانية وسماءها أشعة دافئة ومضيئة بالخير، ليرفل بدفئها أبناء المملكة في مختلف ربوعها.

وإن تميزت هذه الذكرى بالعديد من المنجزات النوعية، والتي كان منها الأوامر الملكية السامية التي حرص – أيده الله – على إصدارها وتفعليها في الجوانب التي تلامس احتياجات المواطنين، فكان لها أثر عظيم في نفوسهم، فهي صادرة من استشعار المسؤولية اتجاه الوطن من قائده الحريص على أداء الأمانة والوقوف عن قرب من تنفيذها، لتحقق للمواطن الأمن والاستقرار والرفاهية، لترسم قوة العلاقة بين الحاكم والمحكوم، والحميمية التي تربطهما دون تكلف أو تصنع، وإنما هي حقيقة ومشاهدة، وخير دليل على قوة هذه العلاقة تأكيد القائد لشعبه عندما سألوا عنه وعن صحته إثر العارض الصحي الذي ألم به، قال: (ما دمتم بخير .. فأنا بخير) مؤكدًا الترابط والتلازم القوي بين صحته وصحة شعبه فهما شي واحد لا يمكن أن ينفك أحدهما عن الأخر.

ولا ننسى موقفه – أيده الله – من وقفت الشعب السعودي إزاء الأحداث التي يمر بها العالم ومحاولة الأيدي العابثة المسمومة على أمن هذه البلاد ووحدتها أن تزرعه من شق الصف وإحداث الشرخ، فما كان من الشعب الوفي إلا أن وقف وقفة رجل واحد، تأكيدًا للحمة الوطنية وتجديدًا للبيعة، ومحاربة لكل عدو حاقد على البلاد؛ فكان التقدير الأبوي لهذا الشعب الأبي عندما قال لأبناء بلاد الحرمين : (كم أنا فخور بكم وأنكم بعد الله صمام الأمان لوحدة هذا الوطن واستمد العزم والعون من الله ثم منكم) فكانت كلمات صادقة نابعة من القلب إلى القلب، ويؤكد ذلك عندما طلب من الشعب أن لا ينسوه من الدعاء؛ حيث قال (لا تنسوني من دعائكم) هذا الطلب الذي جعل كل مواطن يرفع أكف الضراعة لله أن يمد بعمره وأن يلبسه ثياب الصحة والعافية وأن يقر عينه بتحقيق ما يتطلع إليه من وحدة الصف وجمع الكلمة لجميع أبناء الأمة الإسلامية والعربية، فهي مشاعر صادقة نابعة من قلب محب لشعبه نابض بكل خير لهم، قابلتها مشاعر متبادلة من الشعب بأسره، بحب ووفاء صادق؛ عزز روح الانتماء الوطني ووحدة الصف والتلاحم بين القيادة والشعب في ساعة الجد والمحك الذي لا يثبت فيه إلا الرجال فكان شعب أبا متعب لهذه الوقفة الأبية التي أبهرت العالم بأسره، وأغاظت الأعداء والحاقدين الناقمين على مملكة الإنسانية والخير لشعوب العالم.

وليس هذا وحسب فمشاريع الخير العملاقة والجبارة تتوالى وتتواصل، لتصب في إناء واحد وهو الخير للوطن والمواطن الذي يسموا فخرًا وعزًا بهذه المشاريع الفريدة من نوعها، ويكفي أن يفخر بما قدمه خادم الحرمين الشريفين هدية لبناته المواطنات بافتتاح أكبر مدينة جامعية للبنات في العالم من حيث المساحة والمكونات والتجهيزات؛ لتكون جامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن للبنات في الرياض مفخرة بنات الوطن بين بنات العالم.

إن المتابع لعهد خادم الحرمين الشريفين – حفظه الله – يجده عهدًا متميزًا تميزًا نوعيًا في كافة الأُطر والجوانب ؛ وفي كل جانب له علاقة مباشرة أو غير مباشرة بالوطن وبحياة المواطن.

حفظ الله على مملكتنا أمنها واستقرارها ، وأمد بعمر خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين وسمو النائب الثاني ، وأسبغ عليهم نعمه ، وألبسهم ثياب الصحة والعافية – إنه ولي ذلك والقادر عليه –.



شذرات بقلم
أبوعبدالعزيز
سليمان بن صالح المطرودي
المهـ رحال ـاجر
الرياض
25/6/1432هـ

نشر في صحيفة الجزيرة ليوم الاثنين الموافق
27/6/1432هـ؛ ملحق البيعة صفحة 19 الطبعة الأولى
http://www.al-jazirah.com/20110530/qr22d.htm

2011/05/26

الكرسي ... من الحامل ومن المحمول ؟!؟


شذرات

قلم


الكرسي

من الحامل ومن المحمول ؟!؟






هناك كرسي ينعم بمن يحمله، وهناك كرسي أخر يلهث من حمل من جلس عليه "وأمثاله كثر" فلا غرابة عندما يفتر الكرسي ويدور بمن جلس عليه ليرميه ويلفظه لثقل وزنه وكبر همه ونتنه الذي أخاس كل من حوله وعرفه!!!

فحري لكل من وصل للكرسي "أيًا كان هذا الكرسي؛ إدارة أو وزارة أو رئاسة أو سلطة في أي موقع" أن يحمله وأن يعمل بجد واجتهاد دون أي كلل أو ملل، وأن يكون طموحه كبير في تحقيق واجبات ومسؤوليات هذا الكرسي الذي جلس عليه، وأن تكون رؤيته بعيدة المدى في تحقيق أهداف مسؤوليات الوظيفة التي يشغلها، دون أي تراخي أو تخاذل أو خنوع لمطامعه الشخصية في استحلاب هذا الكرسي لتحقيق مصالحه الذاتية دون مراعاة للأمانة التي حملها.

لأنه إن لم يفعل فسوف يعطل مسؤولياته وواجباته الوظيفية، ويصدر – بنفسه – قرار انتهاء فترة صلاحيته مبكرًا في عيون المسؤولين والمواطنين – وقبل ذلك في قرارة نفسه – وبالتالي الوطن الذي تعطلت مصالحه ومسيرة التقدم بسبب سلبه سلطة الكرسي لصالحة دون تقدير لمن تجب أن تكون في الأصل هذه السلطة والهيبة والقيم، فهذه هي انتكاسة من حمله الكرسي، وانشغل بأناقة هذا الكرسي وانتعاشه مع نسمات تكيف المكتب المركزي ونعومة موكيته الفاخر، عن القيام بواجباته ومسؤولياته المنتظر منه تحقيقها وتنفيذها واقعًا ملموسًا يخدم الوطن والمواطن.

فمن حمله الكرسي فهو وبلا شك سوف يفرق بين الأصدقاء والأحباب ويدمر الثقافات ويفسد المخططات والاستراتيجيات الهادفة، ويعيق حركة النمو والتطوير في المنظومة ويجلب الأحزان لمنسوبيها، ويشل من حركة التفكير والتميز والإبداع، وذلك لأنه صرف كل جهده في استغلال الكرسي ومنافعه ومصالحة لشخصه دون غيره، وهذا بالطبع يجعله يقرب كل من وافقه في تحقيق مصالحه ومآربه الخاصة، دون النظر إلى أهليته وكفاءته للموقع الذي سوف يتبوؤه، ويبعد كل مخالف له وإن كان هو الأجدر.

أما من حمل الكرسي فإنه يقدر المسؤولية ويجتهد في حمل الأمانة وتحقيق الثقة التي حمل إياها، ليعمل على رسم الخطط المستقيمة في مسالك العمل الإداري والخدمي الذي يقدمه من خلال كرسي المسؤولية الذي جلس عليه، مدركًا أهمية تلافي أي إخفاقات تنعكس سلبًا على أداء منظومته المؤسسية، وسنجده يبني جسور العمل الجاد وترسيخ قواعد مبادئه، ويقوي علاقات التواصل بين المنظومات ومنسوبيها، ويعزز من الثقافات، ويدعم عجلة التطوير والتقدم في منظومته وينشر الأفراح بين منسوبيها، ويساند كل فكر هادف، ويتبنى العمل المتميز والإبداعي، غير مبالي برفاهية الكرسي وفخامته وأجواء مكتبه الذي يعج بالسخونة والعصف الذهني، والحركة الدءوبة لوضع الاستراتيجيات والخطط التنفيذية لها وتحقيق المصالح والمخرجات التي ينتظرها منه الوطن والمواطن، مع إيمانه بأن الكرسي وأجوائه ما هي إلا لحظات يمر بها أما المخرجات والمنجزات فهي باقية له ولغيره من المواطنين في أحظان الوطن الدافئة؛ الذي سوف يفخر به يوم من الأيام عندما يغادر الكرسي لينعم براحة الضمير واستقرار الحياة وحب الناس له وذكره بكل خير والدعاء له والترحم عليه وإن بعد الزمن.

لأنه يسعى لتحقيق مصالح وأهداف عامة يجني ثمارها منسوبي المنظمة والمستفيدين منها قبل أن يستفيد هو منها، لعلمه أن هذه الفوائد ستنعكس نتائجها ومخرجاتها على الوطن بأسرة لينعم بها الجميع.

إن العقليات التي تمر على الكراسي متباينة وخبراتهم مختلفة وقدراتهم متفاوتة؛ ولكنهم يتفقون في طريقة وآلية حمل الكرسي، ليختاروا أن يكون هم من يحمل الكرسي أو أن يكونوا هم الحاملين له، ومن هنا تظهر الفروق وتبرز الأهمية الحقيقية لهم عند الجلوس على هذا الكرسي.

فكم عانت كراسي المسؤولية من مسؤولين جلسوا عليها وكانوا شر وبال عليها، وكم تأن لفراق مسؤولين جلسوا عليها وكانوا مفاتيح خير ودعامة حب على الجميع لما كان لهم من بصمات انطبعت على صفحات التاريخ المشرق بحروف بارزة وسميكة، كان حبرها الأمانة والصدق والإخلاص، وكانت أقلامها العطاء بلا حدود، لذا فهي لن أن تنمحي من واجهة الأمة وإن بعدت.

يقول أبا مرام الدكتور عبدالرحمن بن سليمان المطرودي – رحمه الله – وكيل وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد لشؤون الأوقاف – عندما كان يجلس على كرسي المسؤولية –: (كن من يحمل الكرسي، لا من يحمله الكرسي، لأنك إن حملته حملك، وإن استرخيت إليه فإنه لن يحملك، وإن خذلته خذلك؛ فهو كـ"كرسي الحلاق" لا يجلس عليه أحد طويلاً وإن تأخر في الجلوس فإنه لن يدوم، لذا فأحرص أن تترك الكرسي وأنت حامل له)...

رحم الله أبا مرام، فلم يكن كرسي الوظيفة الذي جلس عليه حاملاً له؛ بل كان هو من يحمل الكرسي، لقناعته بأن الكرسي "دوار" وأنه "مسؤولية عظيمة، وأمانة في عنقه، مسؤول عن واجباته ومسؤولياته أمام الله قبل أن يسأله المسؤول عن ذلك" فمن منطلق تلك القناعة كان يتعامل معه، فكان – رحمه الله – جادًا في أداء مهام وظيفته، مخلصًا في إعداد خطط العمل؛ والعمل على تنفيذها، ولم يركن إلى الدعة والسكون، والاستسلام لمخدر الكرسي الذي عادة ما يسيطر على من جلس عليه.





شذرات بقلم
أبوعبدالعزيز
سليمان بن صالح المطرودي
المهـ رحال ـاجر
الرياض
23/6/1432هـ