2011/05/03

قُتل ابن لادن !! ولكن ماذا عن الفكر اللادني ؟؟؟


شذرات
قلم


قُتل ابن لادن !!

ولكن ماذا عن الفكر اللادني ؟؟؟





في نظري أن زعيم القاعدة المطلوب الأول عالميًا "أسامة بن لادن" قد مات منذ أمد بعيد، وليس هذا اليوم الاثنين؛ حيث أعلن الرئيس الأمريكي "باراك أوباما" مقتله؛ وقد حرص أن يعلن ذلك بنفسه وهذا بالطبع لما يشكله مقتله له من مصالح لا تخفى؛ وإلا لماذا قتل بهذا التوقيت؟ ولماذا هو من أعلن مقتله بنفسه؟

كم كنت أتمنى أن لا يقتل ابن لادن على أيدي الجنود الأمريكان ولا غيرهم من غير المسلمين، وهذا لما يترتب على ذلك من مفاسد قد لا تنتهي بمقتله، ولكن هذا ليس محل حديثي هنا؛ إذ أنني أتسأل هل ما نعاني منه محليًا وعالميًا هو شخص ابن لادن؟ أم هو الفكر اللادني؟

لا شك أن مقتله كان محل ارتياح كثير من الأوساط السياسية والشعبية عالميًا، إذ أن ذلك يعتبر ضربة قوية للتنظيم الذي يتزعمه؛ وإن كان متهالكًا في الأصل، وهناك من سوف يتولى القيادة خلفًا له، إلا أن خلو الساحة من رمزها الروحي هو بمثابة خطوة كبيرة للقضاء على التنظيم، وقد يتحقق ذلك، ولكن هل في هذا ضمان عدم نشؤ تنظيمات أخرى تحمل نفس الفكر والهدف والمخطط مع بعض التعديلات فيها؟

من البديهي أن أتباع التنظيم لن يقفوا مكتوفي الأيدي إزاء مقتل زعيمهم؛ بل أنهم سوف يتحركون وينشطون للانتقام له والأخذ بثأره، وهذه ردة فعل طبيعية، ولكن هل ينتهي الأمر عند ذلك الحد وكفى؟

بالطبع لا، لأن القضية هنا قضية فكرية وليست قضية شخصية، فالفكر الإرهابي هو ما يعاني من العالم بأسرة، هذا الفكر الذي أثر على سلوك الإنسان المعتنق له، هذا الاعتناق الذي يدل على وجود خلل في المعتقد وسلامته؛ هذا الخلل الذي يؤدي إلى منتجات فكرية خاصة يعتقد حاملها بصحتها دون النظر إلى شرعيتها وسلامتها واحتمال خطأها، وبالطبع هذا خلاف المنهج الصحيح الذي عليه سلف الأمة، وهذا ما خلق الصراعات والخلافات والتناحر، وظهور الأعمال الإرهابية والفكر الإرهابي اللادني وغير اللادني من الأفكار المعتلة ذات المعتقدات غير السوية.

ومن هذا المنطلق فإنه على الحكومات والشعوب والمؤسسات التربوية والتعليمية والعلمية والتوجيهية والإرشادية والدعوية، والعلماء والمفكرين والسياسيين والأدباء وأهل الحل والعقد دراسة الأسباب التي أدت إلى ظهور مثل تلك الأفكار المعتلة وانتشارها خاصة بين صفوف الشباب، والعمل على منع شباب الأمم من الانزلاق في هذا المستنقع الذي يعزز وجود الفكر الإرهابي بكل صورة وأشكاله وألوانه، ومعالجتها معالجة تؤدي إلى اجتثاثها من الأوطان وإغلاق كل مدارسها وحواضنها وما يتفرع عنها من قناديل قابلة للاشتعال في أي وقت، وتجفيف كل منابعها الفكرية والمادية والمعنوية، وهذا لما سوف يترتب على هذا العمل من سلامة الفكر وبالتالي سلامة المعتقد، وشيوع الأمن الذي بتوفره تتم عمارة الأرض عمارة حسية ومعنوية.

ولا يمكن قتل ابن لادن والقضاء على الفكر اللادني والسلوك الإرهابي حقيقة؛ إلا بمعرفة وتشخيص الأسباب المؤدية إلى انحراف الفكر من جذوره، ليتم التعامل معها وفق منهج سليم يؤدي للقضاء عليها بكل فاعلية.

فقد اتفق أهل الاختصاص في علوم العقائد أن كل عقيدة لها أثرها في شخصية التابعين لها والمؤمنين بها، فالعقيدة الصحيحة هي التي تشكل النظرة الحقيقية للحياة في صورتها البهية للعالم، فتعكس سلامة التصور لأمور الحياة والعلاقات الإنسانية والسلوكية، وتحكم منهج تقويم الأمور وإصدار الأحكام والحكم عليها، ويُعرف صاحب سلامة المعتقد بأن أعماله وتصرفاته ومواقفه وعلاقاته مبنية على أساس من العقيدة الصحيحة طاعة لله وتقرباً إليه وتعبداً له، وفق مرجعية يرجع إليها لترسم له الطريق وتحدد معالم توجهه وأسلوب منهجه الذي ينتهجه في التلقي، وتكون صمام أمان له في تكوينه الفكري، على منهج ثابت ومتين مبني على الدليل القطعي الذي يوصله إلى بر الأمان والإيمان الكامل الذي يستطيع من خلاله التوصل إلى إدراك الحقائق والقيم، متكئ على ثقافة سليمة مستقاة من مصادر ومحاضن عديدة متنوعة تؤثر إيجابًا في تحديد اتجاهه وسلوكه وحياته عمومًا، وهذا لا يتحقق إلا بالثقافة السوية التي تؤثر فيه وتحميه من الانزلاقات الفكرية المعتلة والآفات والانحرافات التي تبعده عن الطريق الصحيح والسير فيه، وهذا لا يتحقق مطلقًا إلا عندما يملك الإنسان إرادة قوية تمكنه من العزيمة على العمل مهما صعب الاختيار وشق الطريق.

فمتى كانت الإرادة قوية والفكر سليمًا استطاع الإنسان أن يتحمل المسؤولية وسار نحو تحقيق الهدف المنشود والقيام بواجباته باقتدار.

وهنا يتبين لنا أن الشخصية الإسلامية حاملة الفكر السليم تسير وفق ما يحب ربنا – سبحانه وتعالى – ويرضاه من الأقوال والأعمال، مستنيرة بالكتاب والسنة وبما جاء عن المصطفى – صلى الله عليه وسلم – وبالأخذ عن سلف هذه الأمة وعن علمائها، فصاحب الفكر السليم يراجع نفسه كل لحظة ويعرض ما يعمل على ما لديه من علم ومعرفة، فلا يسير في حياته عشوائياً، وفي الوقت نفسه لا تأخذه العاطفة الجياشة والحماس غير المنضبط بالخروج على تعاليم دينه وترك الطريق المستقيم.

وبذلك يكون لزامًا على الحكومات والشعوب أن تعمل لنشر الفكر السوي السليم، وفي الوقت نفسه تعمل على اقتلاع الفكر المعتل واجتثاثه والتحذير منه وبيان عوره ومفاسده المترتبة عليه، دون شخصنة أو هوى أو أي توجه يخالف ذلك.

وهذا لن يتحقق بمقتل زعيم القاعدة، بل بالعمل الجاد والدؤوب لمحاربة الفكر الإرهابي والفكر اللادني الذي يسير في الاتجاه المعاكس للمنهج السليم، لارتباطه بمنهج غير سليم ومصادر غير مأمونة وبمرجعية على غير هدى، لذا نجد أن أتباع هذا الفكر يعيشون منبوذين من المجتمعات وفي بوتقة ضيقة تلحق بسراب دامس، وتسير في دهاليز معتمة، وتحيى في قلق دائم ورتابة مقيتة.

 
شذرات بقلم
أبوعبدالعزيز
سليمان بن صالح المطرودي
المهـ رحال ـاجر
الرياض
28/5/1432هـ