2011/10/13

ما بين طلب الإمارة والترشيح لها

شذرات قلم

ما بين طلب الإمارة والترشيح لها

يحرص الخلق على الإمارة؛ وتولي الرئاسة والإدارة وقيادة الأمة – إلا من رحم الله منهم – وهذه ‏جبلة جبل عليها الناس في حب الإمارة والزعامة، حتى أفضت إلى النزاعات والخلافات وظهور ‏المفاسد وتفشي الفتن بين الناس والأمم؛ لكثرة من يتولى الإمارة من غير أهلها ومستحقيها.‏

وقد ورد النهي النبوي الصريح من نبي الهدى – عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم – عندما قال ‏لعبدالرحمن بن سمرة – رضي الله عنه – : (يا عبدالرحمن بن سمرة لا تسأل الإمارة، فإن أُعطيتها ‏عن مسألة وُكلتَ إليها، وإن أُعطيتها عن غير مسألة أُعنتَ عليها..). ‏

كما جاء التحذير من نبينا من طلب الإمارة بقوله – صلى الله عليه وسلم – : (إنكم ستحرصون على ‏الإمارة، وستكون ندامة يوم القيامة، فنِعْم المرضعة وبِئْست الفاطمة).‏

وطلب الإمارة يفضي إلى مظاهر عديدة وأمراض خطيرة تنعكس سلبًا على صاحبها وعلى من تحت ‏يده والمجتمع بأسره، ومن هذه المظاهر: (العجب بالنفس والإصرار على الرأي وعدم التنازل عنه وإن ‏ظهر خطأه وبطلانه بالحجة والدليل، والعمل على بيان عيوب الآخرين ونقد أعمالهم وأفكارهم ‏ومقترحاتهم، وتصدر المجالس والمنابر بغض النظر عن أهليته لها، والتعسف في استخدام السلطة ‏عندما يكون رئيسًا والتهرب منها عندما يكون مرؤوسًا) وغير ذلك من المظاهر، التي يقوده إليها فساد ‏النية وعدم الإخلاص وضعف النفس ودنو الهمة وإتباع الهوى وارتكاب المخالفات من أجل تحقيق ‏المصالح الشخصية التي تطيل مدة مكثه على كرسي الإمارة.‏

لذا يتبين لنا منافع التحذير النبوي من طلب الإمارة لما تفضي إليه، أما طلب الوظيفة المناسبة ‏لتخصص الإنسان ومستواه العلمي وقدراته المهنية فهذا مطلب تستدعيه المصلحة ولا أظنه داخل تحت ‏طلب الإمارة؛ بل هو التكامل والتوازن في شغل الموقع المناسب ليفيد ويقدم ما يستطع أن ينفع به ‏الأمة من خلال الوظيفة التي تناسبه وتناسب قدراته وإمكاناته.‏

وحال الإمارة تعطى ولا تسأل؛ وهي تكليف وليست تشريف، فمتى أعطيت للإنسان وكان أهل لها ‏وقادرًا على القيام بمهامها قبلها وتحملها وكان له من الله العون والتوفيق؛ ومتى وأعطيت له وعلم في ‏نفسه عدم القدرة والأهلية لها اعتذر عنها وكان له من الله الأجر والثواب ومن المعطي التقدير ‏والاحترام " ورحم الله امرئ عرف قدر نفسه " فهي أمانة تقوم عليها حقوق وواجبات ومسؤوليات ‏عظيمة، تثقل الكاهل وتحيط بالعنق.‏

وهناك فرق بين طلب الإمارة وعرضها، والاتهام بطلبها من عارضها !!!!‏

شذرات بقلم
أبوعبدالعزيز
سليمان بن صالح المطرودي
المهـ رحال ـاجر
الرياض
15/11/1432هـ

2011/10/10

العودة للوطن


شذرات قلم

العودة للوطن







قُبيل السفر خارج الوطن يشعر الإنسان بمشاعر تدغدغه فرحًا وبهجة لهذا السفر الذي يغترب فيه ‏عن وطنه لأي سبب كان؛ للسياحة أو الدراسة أو العمل أو العلاج أو للتجارة أو غير ذلك من ‏الأسباب التي تجعله يشد الرحال مسافرًا عن وطنه.‏

إلا أن هذه المشاعر تختلف تمامًا عن تلك المشاعر التي يشعر بها عند بدء العد التنازلي للعودة ‏للوطن؛ بغض النظر إلى هذا الوطن كان غنيًا أو فقيرًا، مستقرًا أو مضطربًا، إلا أن الفرحة تكون ‏عارمة إلى حد لا يستطيع العائد لوطنه وصفه بأي وصف من الأوصاف وإن وصفه فهو وصف ‏مقل.‏

سبحان الله عندما نكون داخل أوطاننا لا نشعر بالحنين كما نشعر به عندما نكون بعيدين عنه، فكم ‏هو جميل هذا الشعور بالعودة للوطن والسير على ترابه، وكم هو جميل أيضًا عندما تكون العودة ‏للوطن مقرونة بتحقق ونجاح الأمر الذي كان من أجله البعد عن الوطن، لتكون الفرحة فرحتين؛ ‏فرحة العودة للوطن وفرحة تحقق الهدف الذي كان وراء هذه الغربة.‏

لا أخفيكم بأنني لم استطع النوم استعدادًا لرحلة العودة والتي موعد إقلاعها غدًا عند الغروب ‏والآن الوقت قبل الفجر، وكأني بالوقت توقف وساعتي لا تدور عقاربها بالاتجاه الصحيح؛ حيث ‏أنني أعدت حقائبي وجميع أغراض؛ بل أنني جهزت نفسي للخروج للمطار منذ الساعة الحادية ‏عشرة ليلاً !!‏

هذا وأنا لم أغب عن الوطن إلا أيام؛ فكيف بمن غاب عن الوطن أشهر وسنوات، بل كيف هي ‏مشاعر من حرم من وطنه وتشرد في أصقاع المعمورة لاجئ هنا أو هناك؛ كما هي حال كثير من ‏إخواننا الفلسطينيين الذين شردهم اليهود من بلادهم، وكذلك إخواننا السوريين الذين شردهم نظام ‏الأسد من أوطانهم، وغيرهم ممن أجبرتهم الحروب الأهلية والصراعات السياسية على البعد عن ‏أوطانهم والعيش خارجها ينتظرون ويترقبون ساعة العودة للوطن الأم.‏

كم هي مشاعر الشوق والحنين للوطن ملتهبة ومرتفعة لدى كل مغترب عن وطنه، فهي لحظات ‏جميلة لا تكاد توصف بأي وصف، بل يعجز اللسان عن وصفها والبيان يقصر عن نثر حروفها ‏وكيف لا وهو عائد إلى الحضن الدافئ والصدر الحنون والقلب الكبير وطنه الرؤوم وإن قسا، فكم ‏لنسماته من عبق فريد عند استنشاقه، حتى إن كان هذا النسيم ملتهب من حرارة الصيف أو ‏متجمدًا من قسوة الشتاء؛ إلا أن عبقها لا يجاريه أي نسيم.‏

شذرات بقلم
أبوعبدالعزيز
سليمان بن صالح المطرودي
المهـ رحال ـاجر
مانيلا
قُبيل فجر يوم الثلاثاء
13/11/1432هـ

2011/10/09

الإنـتـمـــاء

شذرات
قلم

الانـتـمـــاء



الانتماء للوطن نابع من حبه، وحب الوطن غريزة جبلية فطر عليها الإنسان، وكذا الحيوان وسائر ‏المخلوقات، فهي تحب أوطانها وتنتمي إليها ومتى غادرتها بأي سبب كان تغيرت حالتها وأسلوب ‏حياتها لكي تتأقلم مع الموطن الجديد الذي تعيش فيه؛ مع حنينها لموطنها الأصلي الذي رامته ونشأت ‏فيه، وتموت وهي تفكر بالعودة إليه إن لم تكتب لها العودة.‏

وقد عززت شريعتنا الإسلامية السمحة ذلك، بل أن هناك من جعل حب الوطن والانتماء إليه عقيدة ‏يدين الله بها، وعقيدة الانتماء واسعة لا حدود لها؛ فكل ينتمي لما يحب ويعشق، إلا أن الانتماء للوطن ‏يبقى هو الأصل والأساس بين سائر الانتماءات، وهو المهيمن عليها عند الانتماء للقومية أو للثقافة أو ‏للهوية أو للأمة، فالانتماء للوطن هو الجامع لكل الانتماءات، ويبرز صدق هذا الانتماء في مدى حب ‏الوطن والاعتزاز بالانضمام إليه والتضحية من أجله، للحفاظ على موطنه والمكان الذي يجد ذاته فيه ‏لارتباطه فيه منذ مولده ونموه فيه في أحضان أسرته ومحيط أقرانه وأقاربه وأصدقاءه ومجتمعه ‏وبيئته.‏

والانتماء ليس شعارات تردد، بل هو قيم مهمة تتمثل في قدر وقيمة الحب لهذا الوطن والمجتمع الذي ‏ينتمي إليه، ومقدار حرصه عليه وتفاعله معه في كل شؤونه وأموره التي تحقق الانتماء الحقيقي ‏وتماسك أركان الوطن ونجاحه في الصمود لتحقيق الأمن والاستقرار والتنمية والعيش الرغيد، وبناء ‏حضارة وطنية على قاعدة صلبة من الحب والتعاون.‏

ولا شك أن هناك عوامل تعزز قوة درجة الانتماء للوطن؛ كوضوح الهوية وتحقيق العدالة وأداء ‏الحقوق والقيام بالواجبات بشكل تفاعلي دائم بين الأخذ والعطاء، واختلال أي منها ينعكس سلبًا على ‏قوة الانتماء؛ ولا يعني هذا الانفكاك الكامل عن الوطن والانتماء لغيره.‏

ولعل من أهم مقومات الانتماء للوطن وزراعتها في نفوس الناشئة هو ما تنميه وتزرعه الأسرة في ‏أبنائها من ولادتهم ليترعرعوا في تنشئتهم من محيط الأسرة إلى البيئة التي ينشؤون فيها من العائلة ‏والحارة والمسجد والمدرسة والمجتمع والإعلام لتكتمل تلك التنشئة بالوطن الكبير بعطائه لمواطنيه ‏وعدم حرمانهم من حقوقهم ليكون الانتماء منهم بأداء الواجبات، ولا يعني هذا أن الانتماء هو مصلحة ‏وتبادل منافع فقط، ولكن هذه مقومات ترسيخ الانتماء والحفاظ عليه وديمومته.‏

والانتماء ذو قيمة لا تقدر بثمن، وهو عاطفة جياشة داخل كل إنسان، تنبض بها عروقه ليضخ لنا قلبه ‏الحب وعقله الرشاد ليكون التوجيه الصحيح نحو الوطن ليشعر بالأمن والأمان بأحضان الوطن الدافئة ‏ليستقر ويستكن ويهدى روعه ويحميه من الشتات والضياع والاغتراب بين الأوطان، ليدفعه ذلك ‏للمشاركة الجادة في سبيل رفعة وطنه وتقديم النفس والنفيس فداء له.‏

وقد يكون من مظاهر هذا الانتماء؛ الاعتزاز باللغة الأم للوطن، وبالزي الوطني، والمصنوعات ‏الوطنية، والتمسك بالقيم العامة للوطن، دون النظر إلى مكونات الوطن من الأعراق والمذاهب ‏والثقافات واللهجات واللغات بكل روح تسامح وطنية عليا؛ دون المساس بالدين أو استنقاصه، وإنما ‏التسامح مع الآخر للعيش بود وسلام لصالح الوطن العام، خاصة في الأوقات العصيبة وأوقات الفتن ‏والمحن التي يكون الوطن بأمس الحاجة إلى الإنتماء الصادق من كل غيور على وطنه لتجنيبه ‏الأخطار.‏

وفقنا الباري لصدق الانتماء لوطننا الكبير بلاد الحرمين الشريفين ومهبط الوحي وقلب الإسلام ‏النابض، وحفظها من كل مكروه وأدام أمنها واستقرارها وعزها، وحفظ لنا قيادتنا الرشيدة الراشدة، ‏وأمد بعمر إمامنا وولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وسمو ولي عهده ‏الأمين وسمو النائب الثاني – حفظهم الله جميعًا وبارك في أعمارهم ومتعهم بالصحة والعافية والبسهم ‏لباس الإيمان والتقوى –.‏

شذرات بقلم
أبوعبدالعزيز
سليمان بن صالح المطرودي
المهـ رحال ـاجر
مانيلا
11/11/1432هـ