2011/10/06

الوطن والمواطنة


شذرات
قلم

الوطن والمواطنة







المواطنة لا تكون بالشعارات والأهازيج والصيحات والتصريحات والمشاعر والأحاسيس ‏والعواطف الفارغة، وإنما تكون بعمق تلك المشاعر والأحاسيس والتعابير والأقوال ‏والأفعال والمواقف الصادقة والمخلصة نحو الوطن.‏

والمواطنة نسبة للوطن الذي يعيش فيه الإنسان وإليه ينتمي قلبًا وقالبًا بكل ما تعنيه كلمات ‏التعلق؛ ليكون الوطن هو الأول أمام ناظريه في كل ما يتعلق بالحياة الدنيوية، لأن الدين ‏وما يتعلق به من أحكام وأفعال وأعمال لا يقدم عليه شيء في الأصل.‏

ومن هذا الانتماء يكون حراك الفرد والمجتمع ضمن علاقات وطنية تتحقق فيها الواجبات ‏والمسؤوليات، وتكتمل من خلالها الأدوار ليتشكل الوطن بخصائص فريدة ومتميزة عن ‏غيره من الأوطان، بما ينعم به من الأمن والأمان والاستقرار والترابط والتراحم والتعاون ‏بين أفراد الوطن لبنائه لبنة لبنة والحفاظ عليه من أي مخاطر قد تهدد كيانه.‏

وإن كانت تلك التهديدات الخارجية توافق العرق أو الدين أو المذهب لمجموعة من أفراد ‏الوطن؛ فلا يلتفت إليها المواطن الصالح؛ لأنهم متى استسلموا لتلك الروابط انعدمت ‏وطنيتهم وكان انتمائهم لغير وطنهم، لأن المواطنة الحقيقية هي التي يندمج فيها الجميع ‏تحت مظلة الوطن، دون النظر إلى الاختلافات العرقية والدينية والمذهبية ليكونوا بهذا ‏الاجتماع وطن ذا خصوصيات وقيم يحافظ عليها الجميع، لينعم الجميع بالأمن والصحة ‏والتعليم والعمل وغيرها من الحقوق والواجبات التي يتمتع بها المواطن في وطنه، فمتى ‏تحققت الوطنية كان احترام النظام العام والعمل للحفاظ عليه وعلى الممتلكات العامة ‏والخاصة والدفاع عنها ليتحقق النمو والبناء والازدهار للوطن في كل أرجاءه.‏

إن المواطنة تستوجب حمل الهوية الوطنية الخاصة بالوطن، والتي تعني العمل لتطوير ‏وازدهار الوطن إلى درجة إنكار الذات من أجل الوطن، وليست المواطنة شكلية بحمل ‏بطاقة الهوية الوطنية، أو جواز سفر يحمل اسم وشعار الوطن، بل هي تجسيد في الغيرة ‏على الوطن ومقدراته، والاعتزاز والافتخار به، والانتماء إليه بشكل فعال في مختلف ‏المواقف.‏

فكيف إذا كان هذا الوطن هو المملكة العربية السعودية، هذا الوطن الذي حباه الله وأنعم ‏عليه بدولة تطبق الكتابة والسنة وهما مصدرا دستورها وبهما تعمل وإليهما تعود في كل ‏أمر يخصها ويخص الوطن وأبناء الوطن.‏

والمواطن إذا لم " يفتق ريقه " من مولده بحب الوطن والتربية على المواطنة، فإنه من ‏الصعب أن يتحول إلى مواطن صالح بين عشية وضحاها، لذا فإن دور الأسرة في تربية ‏أفرادها على المواطنة الحقيقية والسليمة، هو من أولوياتها في التربية والتنشئة لأبنائها، ‏وما ذلك إلا لأن التربية هي المحك وهي عامل التوازن بين الحق والباطل في مفاهيم ‏المواطنة متى ما شابها تعارض من أعداء الوطن الذين يحرصون على اختراق شباب ‏الأمة والتأثير عليهم ليستميلوهم إليهم ويفقدوهم انتمائهم لوطنهم الأم ليكون ولائهم لغير ‏وطنهم ويصبحوا بذرة فاسدة قد يصعب استصلاحها.‏

فالتربية على المواطنة هي صمام أمان للمحافظة على الهوية والوطنية والخصوصية ‏الثقافية والاجتماعية، ويضمن الانتماء الصادق للمواطن.‏

لذا فإن ما يميز ما يترب عليه أبناء هذا الوطن " المملكة العربية السعودية " هو ترسيخ ‏الهوية الإسلامية السعودية العربية، وحب الوطن والذود عنه وعن مقدساته وخدمته عبر ‏كل الوسائل والسبل التي تؤدي إلى ذلك.‏

فأي دولة لا تستطيع أن تغرس الانتماء الصادق لدى مواطنيها لوطنهم، دون أن يكون ‏هناك مربين منتمين في الأصل لهذا الوطن؛ فالمواطن المربي والدولة الوطنية تنتج انتماء ‏ومواطنة متأصلة وصادقة لا يشوبها أي شائبة، ويكون دور الدورة في غرس الانتماء ‏الوطني والمواطنة لدى النشء من خلال المدارس التعليمية في مختلف مراحل التعليم، ‏وتتأكد في المراحل الأولى من التعليم العام.‏

وهذا ولله الحمد والمنة متوافر في بلادنا بلاد الحرمين؛ فالبيوت تربي أطفالها منذ ولادتهم ‏ونعومة أظفارهم على حب الوطن والانتماء إليه، كما تعلمهم الشهادتين والدين الحنيف، ‏وكذا هم المعلمون والمعلمات وقيادات التربية والتعليم في مدارسنا يربون الطلاب ‏والطالبات على حب الوطن وفداءه بالغالي والنفيس، والعمل على رفعته وتقدمه والنهوض ‏به في كل المجالات، والذود عنه في كل المواقع التي تستوجب ذلك.‏

ومتى انعدمت المواطنة الصحيحة وشابتها أي شوائب، انتشرت في الوطن الفوضى ‏وانعدام الأمن والنظام وكانت اللامبالاة في تنمية الوطن وازدهاره وتحول الوطن إلى ديار ‏خربة لا حياة فيها.‏





شذرات بقلم
أبوعبدالعزيز
سليمان بن صالح المطرودي
المهـ رحال ـاجر
مانيلا
8/11/1432هـ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق