شذرات قلم
التواصل الأسري
عندما نقول التواصل فإننا نذهب إلى الصلة والترابط والالتئام والاجتماع، ومن المهم أن يكون الاحترام المتبادل بين المتواصلين موجودًا ، وكذا احترام وجهات النظر الأخرى، فمتى كان ذلك حاضرًا وكان التواصل قائمًا تبلور ذلك إلى الوئام والمحبة الصافية الصادقة – بإذن الله تعالى – لأن التواصل يذيب كل الشفرات والاستفهامات المؤدية إلى القطيعة، وفيه تتحقق العلاقات الحميمية بين المتواصلين، وإن اختلفت درجاتها بين طرف وأخر، والتي قد تلحظ من خلال التعابير الظاهرة على الوجوه، وكذلك ما يصل إلى الذهن من برمجيات ورسائل سريعة لتحديد قوة درجة قبول التواصل بين الطرفين، والتي يستشعرها المتواصلون من نظرات العين وتعابير الوجه وحركة الجسم ونبرت الصوت وغيرها، إلا أنها تبقى جميعًا داخل إطار التواصل المنشود، وإن كان في أقل درجاته، فقيام التواصل واستمراريته هو الهدف والجوهر من علاقات التواصل بين البشرية عمومًا وبين أفراد الأسرة بشكل خاص، وهو ما يهمنا هنا.
فالتواصل بين أفراد الأسرة المصغرة (أي الزوج والزوجة والأبناء) يكون في الحوار والتشاور والتفاهم والإقناع والاتفاق، تحت مضلة التعاون وتشاطر المسؤوليات للحفاظ على كيان الأسرة والوصول بها إلى بر الأمان، وهذا لا يختلف بالنسبة لأفراد الأسرة بشكلها الواسع (أي أفراد القبيلة أو العائلة من الآباء والأحفاد وأبناء العم) مع التوسع في تلك المقومات، فمتى سادت بينهم روح لغة الحوار والتشاور والتفاهم والاتفاق والإقناع، وطغت عليهم روح المساعدة والتنسيق في توزيع الأدوار والمسؤوليات، والعمل بروح الفريق الواحد، وتأصلت فيهم لغة ومفاهيم واحدة أو متقاربة ومتوافقة غير متضاربة ولا متباينة، كان التواصل بينهم عنوانًا بارزًا .
وبحمد الله وتوفيقه فإن أُسرتنا " أسرة المطرودي " تفاعلت وتواصلت مع نداءات لحمتها رغم المشاغل وبُعد المسافات؛ إلا أنها ضربت المثل في التواصل واللقاءات والاجتماعات المختلفة "العامة والخاصة" على مدار العام، ويتوجها الاجتماع السنوي الذي يلتقي ويتواصل من خلاله كل أفراد الأسرة .
إلا أن الرغبة والشوق إلى تواصل أشمل ولقاءات أوسع، وصلة رحم أعمق، تحثني إلى طرح بعض الأفكار والمقترحات التي قد تسهم في تحقيق تلك الرغبة (إضافة إلى ما سبق وأن طرحته سابقًا والمنشور في الإصدار الأول من مجلة الأسرة المباركة تحت عنوان: "الاجتماع الأسري") .
فللتواصل أساليب وآليات وطرق تساعد على تحقيقه بين أفراد الأسرة، ولكن قبل أن نعرف تلك الأساليب والطرق والسبل المؤدية للتواصل؛ فإنه يحسن بنا أن نتعرف على بعض المعوقات التي قد تقف حاجزًا أمام التواصل، أو تكون سببًا في تأخره، ومما لا شك فيه أننا إذا عرفنا تلك الأسباب عرفنا السبل الموصلة للتواصل بشكل تلقائي .
فمن تلك المعوقات على سبيل المثال :
غياب أساليب التواصل الإيجابي والحوار الهادف والبناء، ولعل من أسباب ذلك:
غياب تنشئة الأبناء منذ الطفولة على التواصل وأهميته .
عدم تدريب الأبناء على مبادئ الحوار وآداب التعامل مع الآخرين .
التأثر بالمظاهر البراقة في الاجتماعات دون البحث عن الجوهر .
الخضوع لضغوطات التبعية السلبية لأسرتي الزوجين، فتكون الأسرة هي المحاور بدلاً من التواصل .
التنشئة الاجتماعية السلبية التي في أحيان كثيرة لا تشجع على التواصل الإيجابي والفعال مع الآخر .
الاستسلام لضغوط العمل والمتطلبات الأسرية المرهقة، التي تؤدي إلى إهمال جانب التواصل مع الأسرة في محيطها الصغير ممـا ينعكس سلبًا على التواصل الأسري بشكل عام .
الاعتقاد بأننا لسنا بحاجة إلى الاتصال والحديث مع الآخرين، وإن حصل وتحدثنا تحدثنا باتجاه واحد "أي نحتكر الحديث ونأخذ الصدارة في ذلك" دون مراعاة للآخرين والتحاور معهم ومعرفة ما لديهم من رؤى وأفكار .
إن اهتمام الآباء بتربية الأبناء منذ طفولتهم على التواصل وتنشئتهم على لغة الحوار والآداب داخل محيط الأسرة بين الأب والأم والأبناء، ينعكس إيجابًا على الحياة الأسرية في محيطها العام، لأنه يؤسس الثقة لديهم ويساعدهم في التواصل ومناقشة قضايا الأسرة التي ينتمون إليها، ويجعلهم يستشعرون أهمية الأمر لما نشئوا عليه وما ترسخ لديهم من دعائم المودة والرحمة والسكينة والوعي بأهمية التواصل وفوائده الاجتماعية، الأمر الذي يجعلهم يتفننون في سبل وطرق التواصل وتعلمها والاستفادة من تجارب الآخرين، ومن تلك الطرق والآليات والسبل والوسائل التي تعزز التواصل بين أفراد الأسرة ما يلي :
حسن العشرة بالمعروف وكف الأذى، وعدم اللوم والشكوى وغيرها من منغصات التواصل .
الحرص على أداء الواجبات اتجاه الأسرة قبل المطالبة بالحقوق منها .
العناية بنشر الوعي والأخلاق والآداب والنصح والتوجيه داخل الأسرة .
زرع روح الحياة الجادة المنتجة لعموم أفراد الأسرة .
الحث على المسابقات الهادفة والدروس النافعة ونقل الخبرات الإيجابية .
التعود على طلاقة الوجه والابتسامة الصادقة وإفشاء السلام .
الحرص على حسن اختيار الألفاظ المهذبة والمؤدبة والطيبة التي تدخل السرور على النفوس وتزيل ما قد يوجد فيها من احتقان .
تقديم الهدايا مهما كانت رمزية إلا أنها تؤثر تأثيرًا إيجابيًا بليغًا .
اغتنام الفرص للتقرب والتودد والتحبب في كافة المناسبات والمشاركة فيها .
التواصل عبر كل السبل من اللقاءات والاتصالات الهاتفية والإلكترونية والبريدية ورسائل الجوال وغيرها، فقد تفوق تلك الرسائل تأثيرًا لكل مشاعر اللقاء وتقارب الأبدان .
الحرص على التسامح ومسح ما قد يقع في القلوب بشيء من عتاب المحب اليسير الذي ينقي السرائر ويصفي النفوس .
الحرص على الإصغاء للآخر مهما كان مخالفًا في الرأي، أو كان ذو طرح غريب وشاذ .
إدراك الفروق الثقافية بين الجميع، وإدراك اختلاف الأفكار، وكذلك التوجهات الفكرية، واختلاف الأطروحات والأهداف منها، فإن إدراك ذلك كله والتفاعل معه يساهم في التواصل بشكل إيجابي وفعال .
أن نبتعد عن أساليب الهمز واللمز الخفي "حتى عند المزاح" لأنه قد يفسر تفسيرات أخرى فيكون سببًا للقطيعة وعدم التواصل .
الوضوح في طرح الأفكار وعند الحديث وخلال الحوار .
إن التواصل الأسري لهو بنيان للمجتمع بأسرة، إذ أن المجتمع مكون من لبنات أسرية، فمتى تماسكت تلك الأسر وسادة الطمأنينة والسكينة عليها انعكس ذلك إيجابًا على المجتمع وتفاعل دورها في البناء والتشييد على وشائج متينة وقواعد صلبة مؤسسة على الود والحب والإخلاص والثقة، وبالتالي هذا المجتمع يؤثر إيجابًا بتلك المقومات على المجتمعات المحيطة، وبدوره ينعكس ذلك على العالم بأسرة .
فالأسرة الصغيرة هي نواة العالم بأكمله، فمن الأب والأم والأبناء إلى الأسرة الكبيرة ومنها للمجتمع إلى العالمية، وهذا الترابط نتيجة التطور الهائل الذي نعيشه اليوم وحول هذا العالم إلى قرية صغيرة يؤثر كل فرد فيها، فتماسك الأسر والمجتمعات يساهم بشكل فاعل إلى وئد الاضطرابات والحروب في مهدها، فكل ذلك محمل على كاهل الأسرة وقيامها بمسؤولياتها اتجاه أبنائها ومجتمعها والعالم برمته .
فبالتواصل يكون تحفيز القدرات الإنسانية وتفعيلها في كل أمر إيجابي، وبعدم التواصل تكون النتيجة عكسية فتثور الأحقاد والضغائن والاضطرابات، فتكون القطيعة وتنشأ بؤر الفساد وتنبعث براثن الشر والحروب والهلاك في البر والبحر.
شذرات بقلم
أبوعبدالعزيز
سليمان بن صالح المطرودي
المهـ رحال ـاجر