2013/07/30

أمــــر إركـــاب

شذرات قلم
أمــــر إركـــاب
 
 
يعمل الموظف للحصول على أمر إركاب متى أنتدب أو كلف بمهمة تتعلق بالعمل، أو حضور دورة أو غيرها، ويعمل لأجل ذلك بكل جد للحصول على تذكرة السفر وتأكيد حجز مقعده للسفر لما كلف به.
 
وفي أحيان إذا كان أمر الإركاب هذا يتعلق بأحد صغار الموظفين؛ وجدت التعقيدات التي لا أول ولا أخر لها، من اللف والدوران باسم النظام، وطلب تقديم المعاريض والعروض والشروحات والمطويات، والاستجداء من هذا وذاك، ودورة مستندية طويلة عريضة تصل في معظمها لطرق مسدودة، وقد تؤدي إلى حرمان الموظف المسكين من أمر الإركاب أو التعويض عنه، أو بخسه حقه في التعويض؛ بأن يكون التعويض جزئي دون أدنى وجه حقه وبمخالفة صريحة للأنظمة الصريحة لحقوق الموظف؛ وبالطبع كل هذا باسم النظام وتحت مظلة البيروقراطية والتعقيدات الإدارية والمركزية التي قتلت كل الأنظمة والتعليمات وتفويض السلطات في الميدان الوظيفي!!
 
أما إذا كان أمر الإركاب خاص بالمدير أو المسؤول، وجددت عدد من الموظفين يتنافسون في سرعة إنجاز وإنهاء إجراءات إصدار تذكرة السفر الخاصة به؛ وربما عطل مدير مكتب المسؤول مهام عمله من أجل ذلك، وجند كل موظفي المكتب في سبيل سرعة إصدار التذكرة وتأكيد حجز السفر، وكأن ليس لهم هم ولا شغل إلا ذلك الأمر، وإن أمكنهم التعديل في خط السير الخاص بالمهمة للرفع من قيمة التذكرة، أو رفع درجتها من الضيافة إلى الأولى؛ فلن يترددوا عن فعل ذلك، وهذا بالطبع لنيل رضى المدير أو المسؤول، وكسب ثقته للحصول على حوافز ومميزات لا يحصل عليها من لم يقدم مثل تلك الخدمات المبهرة!؟!
 
(وربما صدر أمر الإركاب أو التعويض عنه قبل صدور القرار ودون مباشرة المهمة)
 
وكل من الموظف الصغير والمسؤول والقيادي في الوظيفة مشغول بأمر هذا الإركاب ومهتم به وباذل له قصارى جهده ووقته، وهذا حق من حقوق الموظف التي كفلها له النظام؛ لا خلاف ولا غبار عليه. 
ومشاكل وقضايا أمر الإركاب تطول وتطول، ولعل الجهات المعنية تعيد النظر فيه ودراسته من جديد فيما يحقق المصلحة للموظف، وتوحيد إجراءات الحصول عليه والتعويض عنه، وكل ما يتعلق به ...
 
ولكن!!!
 
هناك أمر إركاب من نوع أخر ...
 
نعم هناك أمر إركاب مهم جدًا جدًا نغفل عنه ونتكاسل في السعي إليه والعمل على إصداره للحصول على حجز مؤكد لرحلة العمر الحقيقية!!!
 
نعم هناك أمر إركاب مهم جدًا جدًا إلا أننا نغفل عنه في خضم مشاغل الحياة والتعلق بها، مع قناعتنا بضرورة الحصول عليه، لأنه هو الغاية الحقيقية من هذه الحياة.
 
فالحياة رغم ما فيها من نعيم وسعادة ومال وأعمال وأشغال وملذات؛ إلا أنها زائلة، فهي دار ممر لا دار مقر، ونحن فيها للعمل للحياة الحقيقية في جنة عرضها السماوات والأرض وعد بها ربنا – سبحانه وتعالى – عباده المؤمنين العاملين الباذلين لها، وعنده الحسنى وزيادة.
 
فكل ما تقدمه من طاعات وقربات وصدقات وأعمال بر وإحسان وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر، وكفالة الأيتام والمحتاجين وسعي في قضاء حاجات الناس وغيرها، هي بمثابة أمر إركاب تستصدره لحجز مقعد لك في الجنة بإذن الله ورحمته.
 
فحري بنا ونحن نودع شهر رمضان أن نستشعر هذا الأمر – ونحن نعيش اللحظات الأخيرة من هذا الشهر المبارك الذي نودعه بكل مرارة بعد أن عشنا بين جنباته لحظات الشوق والحب والوئام والروحانية – وأن نستشعر قيمة مواسم الخيرات الممتدة والمتواصلة، فما ينقضي موسم إلا وقد حل موسم أخر – فالحمد الله الذي جعل لنا هذه المواسم المباركة – ليضاعف لعبادة المؤمنين فيها الأجر والثواب، وترتسم لهم علامات قبول تلك الأعمال بالديمومة عليها بعد انقضائها بالاستمرار على الأعمال الصالحة وفعل الطاعات والمباحات والبعد عن المحرمات والفواحش والمنكرات.
 
ولا يتأتى ذلك إلا بمعاهدة النفس أن لا ترتد على دبرها فتخسر كل ما قدمت، ولا يكون لها إلا التعب والنصب، وفقد فرصة إصدار أمر إركاب يحلق به إلى جنة أعدها ربنا – سبحانه وتعالى – لعباده المتقين الصادقين.
 
فحري بنا أن نتعاهد أمر إركاب الأخرة كما نتعاهد أمر إركاب الدنيا الفانية، وأن نستغل الأوقات بما يحقق الهدف الأسمى من هذه الحياة؛ وهو الفوز بالجنة مقر الإقامة والمستقر الدائم.
 
أسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يعيد شهر الصيام والقيام علينا وعلى سائر المسلمين أعوامًا عديدة وأزمنة مديدة وقد تحقق للأمة الإسلامية ما تصبوا إليه من عز وتمكين، وسؤدد في العالمين.
 
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
 
وكل عام وأنتم بخير؛؛؛
 
 
 
شذرات بقلم
أبوعبدالعزيز
سليمان بن صالح المطرودي
المهـ رحال ـاجر
الرياض
1434/9/21هـ