2011/07/08

بعلو الهمة نصنع النجاح


شذرات

قلم

بعلو الهمة نصنع النجاح






كل إنسان يتوق للنجاح، ويحلم بتحقيق أحلامه؛ فالكثير غارق في هذه الأحلام وحلم التحقيق لها.


وما نيل المطالب بالتمني ...... ولكن تؤخذ الدنيا غلابا

ولعل ما يوصلنا لقمم النجاح هي الهمة العالية المرتبطة ارتباطًا وثيقًا بصناعة النجاح، إذ أن من لا همة له؛ لا يمكن أن يحقق أي أمر، ولا يمكنه صناعة أي نوع من أنواع النجاح، فالهمة متى ما علت كان النجاح حليفها، ومتى قلت وخفتت الهمة بالدنو، كانت فساد وإفساد وخسارة.


إذا كنت في أمر مروم ....... فلا تقنع بما دون النجوم


فالهمة العالية والإرادة الصادقة هي الباعث للتحرك بالاتجاه الصحيح، وعلوها يجعلها توقد الأمر فيشتعل فتيله لتتوقد بواعثها ومشاربها التي تقود صاحبها للآفاق والمعالي وصناعة النجاح والاستمتاع بنتائجه، وتحويل الحلم إلى حقيقة وواقع ملموس، فكل نجاح لا يستمتع به صاحبه ولا يشعر بقيمته ويسعد بما تحقق له هو خسارة.


كثيرة هي الأحلام، والطموحات، والأهداف التي تنبعث من داخل الإنسان، إلا أننا نقتلها ونقضي عليها؛ بتحويلها إلى سراب نعض أصابع الندم لعدم تحقيقها، فالنفوس التواقة للمعالي تتوقد داخلها الهمة العالية والإرادة القوية، والعزيمة الصادقة، والنية الصالحة المروية بالثقة والتوكل على الله – سبحانه وتعالى – محصنة بالعلم والبصيرة والرؤية الواضحة، وما يوجد حولها من محفزات تساهم بشكل مباشر أو غير مباشر في تحليق الإنسان نحو قمة النجاح ليتربع على عرشها، فصاحب النفس العلية والهمة العالية لا يقبل إلا السمو والمواقع الشامخة.


وهمة المسلم وحدها مأجور عليها، قال – صلى الله عليه وسلم –: (من همَّ بحسنة، فلم يعملها، كتبها الله عنده حسنة كاملة) فكيف بما له من الأجر إذا عملها !!


وبقدر الهمة وعلوها يكون النجاح والفلاح، فبقدر ما يقدم صاحب الهمة من أعمال وتضحيات، وما يواجه من في سبيل تحقيق أهدافه من مكاره ومصاعب، وما يتعرض له من تعب ونصب، يكون له ما طمح إليه وما أراد – بإذن الله – ، يقول الشاعر:


بَصُرتُ بالراحة الكبرى فلم أرها ....... تُنال إلا على جسر من التعب


وهمة المؤمن عالية أبدًا وهي الجنة، لذا من أرادها كانت همته عالية في السير على طريق التقوى، والبعد عن طريق الشهوات والملذات وزخارف الدنيا الفانية، يقول ربنا – عز وجل – : (ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورًا) ويقول حبيبنا – صلى الله عليه وسلم – : (من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل، ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة) فالمؤمن يسير في تحقيق همته بالعزيمة والتوكل على الله – سبحانه وتعالى – : ( فإذا عزمت فتوكل على الله ) دون تفريط بالوقت والأسباب المعينة له على تحقيق هدفه، ومتى فرط فهو لا يضيع لحظة من عمره في الحسرة والندامة، بل يبادر إلى التوبة والاستغفار وشحذ الهمة والعودة إلى طريق الحق والصواب، وما ذلك إلا لأن عالي الهمة دائمًا يبحث عن المعالي ليرتقيها، فهو كريم النفس يعرف قدر نفسه ومكانتها دون كبر أو عجب أو غرور؛ فهو يعلم أن تلك الصفات تورده المهالك وتخرجه من مساره نحو المعالي الذي رغب لنفسه السير فيه، دون الالتفات إلى من حوله فيتكل عليهم ليرتقوا به للمعالي بناءً على حسبه ونسبه ومكانته الاجتماعية، أو الحسن والجمال والمال، بل يرتقي بنفسه عن كل هذا ليصنع طريقه ويزهو به بجده وهمته العالية مستنيرًا بنور الكتاب والسنة، وما استقاه من آداب نبوية ونهج سلف الأمة الصالحين الذين شمروا عن سواعدهم للصعود للمعالي فجدوا واجتهدوا وبذلوا ما بذلوا حتى يسيروا نحوها وصاروا أعلامًا في الدنيا ذكرهم على مر السنين يذكره القاصي والداني كبشارة خير لمنازلهم في الآخرة.


وعلو الهمة لها أبواب ومجالات وبحور عديدة، منها على سبيل المثال لا الحصر: (علو الهمة في طلب العلم، علو الهمة في العبادة والاستقامة، علو الهمة في فعل الخير والدلالة عليه، علو الهمة في قول الحق والصدع به، علو الهمة في الدعوة للإسلام والتعريف به ونشره، علو الهمة في نشر العلم الشرعي وبيانه للناس، علو الهمة في الجهاد في سبيل الله متى تحققت شروطه وضوابطه، علو الهمة في مساعدة المحتاجين والمنقطعين والمعوزين) وغير ذلك من الأبواب والنوافذ التي نجد فيها علو الهمة الصادقة سببًا حقيقيًا وراء نجاحها وبلوغ هامتها – بإذن الله –.


وهناك محفزات للهمة وعلوها بما أنها هي السبيل الأول من سبل صناعة النجاح ، ومن هذه المحفزات :  
  • العلم: فالعلم يعلي من شأن الهمة والسمو بها؛ لأن الجهل يهوي بأي عمل.
  • النية الصادقة: فكل عمل مرتهن بنية صاحبة، فمتى كانت النية صادقة وخالصة لوجه الله، أرتفع شأن الهمة وتحفزت النفس في تفعيلها.سلوك الطريق الصحيح: فمتى سار الإنسان على طريق الحق كان له ما يريد، ومتى خالف الحق خالف الصواب وكان له الخسران المبين.
  • البحث والتنقيب: عن ما يعينه على تحقيق هدفه.
  • الاستشارة: من قبل أهل العلم والاختصاص فيما يرمي إلى تحقيقه من أهداف.
  • اختيار الصحبة: ذات الهمة العالية والهدف المتميز التي تعينه وتحفزه على علو همته وتحقيق هدفه والنجاح في طريقه الذي يسير فيه.
  • المداومة: وعدم التكاسل والإحباط والتسويف؛ بل عليه المثابرة والمبادرة في كل أمر يعينه على تحقيق هدفه، وتحويل الحلم إلى حقيقة، بعدم التسويف والتمني.
  • الاقتداء: بقراءة سيرة السلف والاقتداء بهم في مسيرتهم نحو تحقيق أهدافهم السامية العالية، وما سلكوه من طريق من أجل تحقيق ذلك.
  • اللجوء إلى الله: وذلك بالإكثار من قراءة القرآن والمحافظة على الأذكار والأوراد المأثورة.
  • عدم الاستسلام والحزن: وهذا لما يلحظه أمامه من الناس من فتور وبعد عن ميادين المنافسة وصعود القمم.
  • أداء الحقوق: فعلى صاحب الهمة العالية أن يؤدي الحقوق الواجبة عليه لنفسه ولغيره؛ كحقوق أهل بيته وأقاربه وذوي رحمه وغيرهم من المسلمين، فهي منشطة له في علو همته ورقيها.
  • المراجعة والمحاسبة: بحيث يراجع خططه وبرامجه وأعماله، بين الفينة والأخرى ليتعرف على ما حققه وما قصر فيه ليتفاداه، وتكون تلك المراجعة والمحاسبة محفزة له على تجديد النشاط وانبعاث علو الهمة وتوقدها من جديد.




    وكما أن للهمة محفزات، فلها مثبطات ومحبطات، ومنها:


    • غياب الهدف والعيش بحياة تقليدية تميل إلى الراحة والدعة والسبات العميق.
    •  الاستسلام لروتين الحياة والإعجاب بزخرفها والانغماس في ملذاتها وشهواتها والبعد عن الهدف الأسمى لهذه الحياة ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) .
    •  عدم معرفة الرسالة الحقيقية للخلق في حياتهم الدنيوية.
    •  عدم معرفة القدرات الخاصة للإنسان وحاجاته الضرورية التي تمكنه من التميز وفعل الأمر بكل ثقة واقتدار.
    •  عدم تنمية المهارات والقدرات التي يتملكها الإنسان وتساعده في تحقيق الأهداف وصناعة النجاح.
    •  عدم معرفة الذات وقيمتها وما تطمح أن تصل إليه في حياتها الدنيوية.
    •  عدم تنمية محفزات علو الهمة لدينا ولدى أطفالنا وزرعها منذ الصغر.
    •  التعاطي مع السلبيات وتفعيلها دون الإيجابيات، ومثال ذلك:
     لا أستطيع أن أحقق هدفي، بينما الإيجابية أن نقول: بإذن الله أستطيع أن أحقق هدفي.
    1.  أنا لست متفائل من هذا العمل، بينما الإيجابية أن نقول: أنا متفائل.
    2.  الحياة صعبة، بينما الإيجابية أن نقول: أن الحياة سهلة.
    3.  الوصول للقمة صعب، وملئ بالمخاطر، بينما الإيجابية أن نقول: الوصول للقمة سهل وجميل وممتع.
    4.  طلب العلم شاق، بينما الإيجابية أن نقول: طلب العلم يسير وأنا لها.
    5.  ضريبة النجاح متعبة، بينما الإيجابية أن نقول: ضريبة النجاح سعيدة.
    6.  أنا إنسان ضعيف، بينما الإيجابية أن نقول: أنا إنسان قوي ومتميز.
    7.  حظي سيئ، بينما الإيجابية أن نقول: أنا إنسان محظوظ.
    8. لا وقت لدي، بينما الإيجابية أن نقول: لدي وقت كافي.
    9. لدي مشاكل كثيرة، بينما الإيجابية أن نقول: كل مشكلة ولها حل.
    10. لا أستطيع أن أفكر، بينما الإيجابية أن نقول: لدي أفكار كثيرة.
    11. لا أحد يساعدني، بينما الإيجابية أن نقول: أنا في خدمة الآخرين.
    12. العمل ممل، بينما الإيجابية أن نقول: الأمل في العمل.
    13. لا مستقبل أمامي، بينما الإيجابية أن نقول: المستقبل مشرق أمامي.


    • زراعة السلبيات في أطفالنا منذ الصغر، بشكل مباشر وغير مباشر، ومن صور ذلك :
     عندما يكون الطفل كثير الحركة في المنزل، نقول له : أنت شيطان، أو أنت شيطون، بينما كان الأجدر أن نمتدحه على حركته ونعمل على توجيهه التوجيه الصحيح حتى نستغل هذه الحركة بما يعود عليه بالفائدة. أنت حُمير "بتصغير حمار أعزكم الله" بدل أن نقول له أنت بطل أو غير ذلك من الألفاظ المحفزة.
    • عندما يقوم الطفل بعمل يعجبنا، نقول له من باب الإعجاب:
    • عندما يخاطبنا الطفل ويحاورنا، نقول له من باب الإعجاب بحواره: أنت دجاجة، ليضحك الطفل وهو لا يدري أنه ينغرس فيه سلبية من جراء هذا التشبيه.
    • عندما يقوم الطفل بإفساد لعبته أو أي شي في المنزل، نقول له: أنت فويرة "تصغير فأرة أعزكم الله" بدل أن نثني عليه ونؤدبه ونربيه نقول له ذلك لينغرس ويثبت في ذهنه هذا التشبيه بالقوارض النجسة، وما عساه أن ينعكس عليه هذا التشبه في مستقبل حياته.


    فجل أوصافنا وتشابيهنا لأطفالنا تكون غليظة وحيوانية بهيمية وشاذة، مما يترك في نفسيته أثرًا ينعكس سلبًا عليه وعلى تصرفاته وأقواله وأفعاله المستقبلية في حياتها كاملة.


    بينما كان الأجدر بنا أن نقول ونتصرف مع أطفالنا بما يشحذ هممهم ويعليها ويجعلهم ينشأون على الخير وفعله، فالتعليم والتنشئة للأطفال في هذه المرحلة مهمة لما سوف ينعكس ذلك سلبًا أو إيجابًا عليهم في مستقبل حياتهم لكون هذه المرحلة مهمة من مراحل حياتهم.


    فمتى اهتمت الأمة بالنشء ورعتهم رعاية كاملة وغرست فيهم كل المعاني السامية، صنعت بذلك مستقبلها المشرف الذي ترومه وتؤمل أزدهارها فيه؛ لكون هؤلاء النشء هم رجالها وقياداتها القادمون لا محالة، فغرس الروح العالية والهمة الرفيعة فيهم يجعلهم أصحاب نفوس شريفة عالية نحافظ من خلالها على حياتهم وحياة الأمة في مستقبل أيامها الواعدة.


    وباختصار علينا أن نتخلص من جميع السلبيات والعمل على غرس وتقرير وتعزيز الإيجابيات فينا وفي أطفالنا، لنتربى ونربي أطفالنا عليها، ونتخلص بهذه التربية من عدو النجاح الأول المرض العضال المعروف بالسلبيات.






    ولا شك أن الهمة لها مراتب، وتكون تلك المراتب بقدر همة صاحبها، فصاحب الهمة العالية يصعد بهمته للعلا، وصاحب الهمة التي دون ذلك تكون بلا شك دون ذلك، وذو الهمة المتأرجحة تكون مرتبته متأرجحة بين الصعود والهبوط وهي للهبوط أقرب، وقد قيل: (المرء حيث يجعل نفسه، إن رفعها ارتفعت، وإن وضعها أو قصر بها اتضعت).


    صناعة النجاح تعتمد على العمل الدءوب والجهد المتواصل والتخطيط المتقن المبني على العلم والمعرفة ورفع القدرات وتطويرها بشكل دائم، فهي سبيل من تهفو نفسه للسمو والتربع على قمة هرم النجاح والاستمتاع ببريق أفراحه والتلذذ بحلاوة تحقيقه، بعد ما أمضى من وقت وبذل من جهد وأنفق من مال وتجاوز من حواجز وعوائق صادفها في مسيرة تحقيق الهدف، ليبتسم بعدها بقلب مبتهج مسرور مليء بالسعادة.


    النجاح مطلب يسعى إليه كل إنسان، ويتمنى الوصول إليه كل شاب، ومن الأمور المسلم بها أن الإنسان يولد وتولد معه قدرات ومواهب يستطيع من خلال توظيفها الرقي بنفسه في سلم النجاح ومع هذا فإن الكثيرين قد أخفقوا في تحقيق النجاح المطلوب، نظرًا لافتقاد عوامله الموصلة إليه من جهة، ومن جهة أخرى عيشهم على الأمل والأحلام دون التفكير في السعي والعمل لتحقيق ذلك.


    فقد دقت ساعة العمل للتحرر من كل مظاهر الكسل والخمول والإحباط والتحطيم وتكسير المجاديف وقتل الطموح والإبداع بدواخلنا، لنعزز الروح الوقادة فينا بكل اجتهاد ونشاط وبذل، مما ينعكس إيجابًا على أوطاننا، والشموخ بهويتنا قوية غير متذبذبة ولا متأثرة بأي ظاهرة من مظاهر التخلف والانتكاس الذي يقودنا للفشل، والذي بالتالي سيكون خيبة أمل؛ إلا أن النجاح هو الأمل المنشود والغاية المرادة.


    ولنتذكر دائمًا وأبدًا أن قافلة النجاح سوف تسير رغم كل المعوقات، لأن النجاح هامة لا يستطيع الوصول إليها من خاف صعود القمم والسير على الدروب المعبدة بالأشواك والحجارة.


    شذرات بقلم
    أبوعبدالعزيز
    سليمان بن صالح المطرودي
    المهـ رحال ـاجر
    الرياض
    7/8/1432هـ