شذرات قلم
العودة للوطن
قُبيل السفر خارج الوطن يشعر الإنسان بمشاعر تدغدغه فرحًا وبهجة لهذا السفر الذي يغترب فيه عن وطنه لأي سبب كان؛ للسياحة أو الدراسة أو العمل أو العلاج أو للتجارة أو غير ذلك من الأسباب التي تجعله يشد الرحال مسافرًا عن وطنه.
إلا أن هذه المشاعر تختلف تمامًا عن تلك المشاعر التي يشعر بها عند بدء العد التنازلي للعودة للوطن؛ بغض النظر إلى هذا الوطن كان غنيًا أو فقيرًا، مستقرًا أو مضطربًا، إلا أن الفرحة تكون عارمة إلى حد لا يستطيع العائد لوطنه وصفه بأي وصف من الأوصاف وإن وصفه فهو وصف مقل.
سبحان الله عندما نكون داخل أوطاننا لا نشعر بالحنين كما نشعر به عندما نكون بعيدين عنه، فكم هو جميل هذا الشعور بالعودة للوطن والسير على ترابه، وكم هو جميل أيضًا عندما تكون العودة للوطن مقرونة بتحقق ونجاح الأمر الذي كان من أجله البعد عن الوطن، لتكون الفرحة فرحتين؛ فرحة العودة للوطن وفرحة تحقق الهدف الذي كان وراء هذه الغربة.
لا أخفيكم بأنني لم استطع النوم استعدادًا لرحلة العودة والتي موعد إقلاعها غدًا عند الغروب والآن الوقت قبل الفجر، وكأني بالوقت توقف وساعتي لا تدور عقاربها بالاتجاه الصحيح؛ حيث أنني أعدت حقائبي وجميع أغراض؛ بل أنني جهزت نفسي للخروج للمطار منذ الساعة الحادية عشرة ليلاً !!
هذا وأنا لم أغب عن الوطن إلا أيام؛ فكيف بمن غاب عن الوطن أشهر وسنوات، بل كيف هي مشاعر من حرم من وطنه وتشرد في أصقاع المعمورة لاجئ هنا أو هناك؛ كما هي حال كثير من إخواننا الفلسطينيين الذين شردهم اليهود من بلادهم، وكذلك إخواننا السوريين الذين شردهم نظام الأسد من أوطانهم، وغيرهم ممن أجبرتهم الحروب الأهلية والصراعات السياسية على البعد عن أوطانهم والعيش خارجها ينتظرون ويترقبون ساعة العودة للوطن الأم.
كم هي مشاعر الشوق والحنين للوطن ملتهبة ومرتفعة لدى كل مغترب عن وطنه، فهي لحظات جميلة لا تكاد توصف بأي وصف، بل يعجز اللسان عن وصفها والبيان يقصر عن نثر حروفها وكيف لا وهو عائد إلى الحضن الدافئ والصدر الحنون والقلب الكبير وطنه الرؤوم وإن قسا، فكم لنسماته من عبق فريد عند استنشاقه، حتى إن كان هذا النسيم ملتهب من حرارة الصيف أو متجمدًا من قسوة الشتاء؛ إلا أن عبقها لا يجاريه أي نسيم.
شذرات بقلم
أبوعبدالعزيز
سليمان بن صالح المطرودي
المهـ رحال ـاجر
مانيلا
قُبيل فجر يوم الثلاثاء
13/11/1432هـ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق