شذرات
قلم
الوطن والمواطنة
المواطنة لا تكون بالشعارات والأهازيج والصيحات والتصريحات والمشاعر والأحاسيس والعواطف الفارغة، وإنما تكون بعمق تلك المشاعر والأحاسيس والتعابير والأقوال والأفعال والمواقف الصادقة والمخلصة نحو الوطن.
والمواطنة نسبة للوطن الذي يعيش فيه الإنسان وإليه ينتمي قلبًا وقالبًا بكل ما تعنيه كلمات التعلق؛ ليكون الوطن هو الأول أمام ناظريه في كل ما يتعلق بالحياة الدنيوية، لأن الدين وما يتعلق به من أحكام وأفعال وأعمال لا يقدم عليه شيء في الأصل.
ومن هذا الانتماء يكون حراك الفرد والمجتمع ضمن علاقات وطنية تتحقق فيها الواجبات والمسؤوليات، وتكتمل من خلالها الأدوار ليتشكل الوطن بخصائص فريدة ومتميزة عن غيره من الأوطان، بما ينعم به من الأمن والأمان والاستقرار والترابط والتراحم والتعاون بين أفراد الوطن لبنائه لبنة لبنة والحفاظ عليه من أي مخاطر قد تهدد كيانه.
وإن كانت تلك التهديدات الخارجية توافق العرق أو الدين أو المذهب لمجموعة من أفراد الوطن؛ فلا يلتفت إليها المواطن الصالح؛ لأنهم متى استسلموا لتلك الروابط انعدمت وطنيتهم وكان انتمائهم لغير وطنهم، لأن المواطنة الحقيقية هي التي يندمج فيها الجميع تحت مظلة الوطن، دون النظر إلى الاختلافات العرقية والدينية والمذهبية ليكونوا بهذا الاجتماع وطن ذا خصوصيات وقيم يحافظ عليها الجميع، لينعم الجميع بالأمن والصحة والتعليم والعمل وغيرها من الحقوق والواجبات التي يتمتع بها المواطن في وطنه، فمتى تحققت الوطنية كان احترام النظام العام والعمل للحفاظ عليه وعلى الممتلكات العامة والخاصة والدفاع عنها ليتحقق النمو والبناء والازدهار للوطن في كل أرجاءه.
إن المواطنة تستوجب حمل الهوية الوطنية الخاصة بالوطن، والتي تعني العمل لتطوير وازدهار الوطن إلى درجة إنكار الذات من أجل الوطن، وليست المواطنة شكلية بحمل بطاقة الهوية الوطنية، أو جواز سفر يحمل اسم وشعار الوطن، بل هي تجسيد في الغيرة على الوطن ومقدراته، والاعتزاز والافتخار به، والانتماء إليه بشكل فعال في مختلف المواقف.
فكيف إذا كان هذا الوطن هو المملكة العربية السعودية، هذا الوطن الذي حباه الله وأنعم عليه بدولة تطبق الكتابة والسنة وهما مصدرا دستورها وبهما تعمل وإليهما تعود في كل أمر يخصها ويخص الوطن وأبناء الوطن.
والمواطن إذا لم " يفتق ريقه " من مولده بحب الوطن والتربية على المواطنة، فإنه من الصعب أن يتحول إلى مواطن صالح بين عشية وضحاها، لذا فإن دور الأسرة في تربية أفرادها على المواطنة الحقيقية والسليمة، هو من أولوياتها في التربية والتنشئة لأبنائها، وما ذلك إلا لأن التربية هي المحك وهي عامل التوازن بين الحق والباطل في مفاهيم المواطنة متى ما شابها تعارض من أعداء الوطن الذين يحرصون على اختراق شباب الأمة والتأثير عليهم ليستميلوهم إليهم ويفقدوهم انتمائهم لوطنهم الأم ليكون ولائهم لغير وطنهم ويصبحوا بذرة فاسدة قد يصعب استصلاحها.
فالتربية على المواطنة هي صمام أمان للمحافظة على الهوية والوطنية والخصوصية الثقافية والاجتماعية، ويضمن الانتماء الصادق للمواطن.
لذا فإن ما يميز ما يترب عليه أبناء هذا الوطن " المملكة العربية السعودية " هو ترسيخ الهوية الإسلامية السعودية العربية، وحب الوطن والذود عنه وعن مقدساته وخدمته عبر كل الوسائل والسبل التي تؤدي إلى ذلك.
فأي دولة لا تستطيع أن تغرس الانتماء الصادق لدى مواطنيها لوطنهم، دون أن يكون هناك مربين منتمين في الأصل لهذا الوطن؛ فالمواطن المربي والدولة الوطنية تنتج انتماء ومواطنة متأصلة وصادقة لا يشوبها أي شائبة، ويكون دور الدورة في غرس الانتماء الوطني والمواطنة لدى النشء من خلال المدارس التعليمية في مختلف مراحل التعليم، وتتأكد في المراحل الأولى من التعليم العام.
وهذا ولله الحمد والمنة متوافر في بلادنا بلاد الحرمين؛ فالبيوت تربي أطفالها منذ ولادتهم ونعومة أظفارهم على حب الوطن والانتماء إليه، كما تعلمهم الشهادتين والدين الحنيف، وكذا هم المعلمون والمعلمات وقيادات التربية والتعليم في مدارسنا يربون الطلاب والطالبات على حب الوطن وفداءه بالغالي والنفيس، والعمل على رفعته وتقدمه والنهوض به في كل المجالات، والذود عنه في كل المواقع التي تستوجب ذلك.
ومتى انعدمت المواطنة الصحيحة وشابتها أي شوائب، انتشرت في الوطن الفوضى وانعدام الأمن والنظام وكانت اللامبالاة في تنمية الوطن وازدهاره وتحول الوطن إلى ديار خربة لا حياة فيها.
شذرات بقلم
أبوعبدالعزيز
سليمان بن صالح المطرودي
المهـ رحال ـاجر
مانيلا
8/11/1432هـ