شذرات قلم
جبر كسر الكرامة
قرأت تغريدة لأحد الأخوات في تويتر عن الكرامة وكسرها، فأرسلت لها رابط شذرات كتبتها في عام 1431هـ؛ عن الكرامة (http://sssm2009.blogspot.com/2012/04/blog-post_08.html) فردت شاكرة لي على ما كتبته؛ إلا أنها أكدت أن الكرامة غير قابلة للصيانة بعد أن تكسر!!
شعرت حينها بإحباط كبير وحرارة داخلية مما يعانيه الإنسان عندما تكسر كرامته أو ينال منها، و(كأنه أنا من كسرة كرامته).
وطرحت هذا السؤال على عدد من الأخوة:
هل يمكن جبر كسر الكرامة؟
وهل يمكن صيانة ما تلف منها؟
حقيقة لم أجد إجابة شافية، حتى عندما جلست مع نفسي رغبة في الوصول إلى إجابة فلم أستطع أن أجيب إجابة شافية كافية تساهم في التئام الجرح وجبر المكسور وصيانة المنخدش!!!
فليس هناك أمرَّ على الإنسان من كسر كرامته؛ لذا فإن كل إنسان مطالب بعدم السماح لكائن من كان بكسر كرامته.
فالكرامة هي أعز ما يملك الإنسان؛ بل هي الإنسان ذاته.
ومتى سمح للغير بكسرها فإننا هنا نقول هانت عليه نفسه ولا قيمة لها أمام ذاته؛ وليس هناك مشكلة من إهانته من قبل أي أحد، حتى لو كان المُهين طفلاً.
ولكن هل من قبل ذلك سوف يحترم نفسه ويحبها ويدافع عنها ويهتم بها؟
بالطبع لا؛ فمن قبل ذلك على نفسه فإنه لن يحترم نفسه ولن يحبها ولن يدافع عنها ولن يهتم بها، وسوف يوردها المهالك والأماكن العفنة والقذرة.
وهل هناك من يقبل ذلك؟
نعم فكل إنسان سلم نفسه لنفسه وهواه والشيطان، وأذن لها بولوج مراتع الفساد والوقوع في المخدرات وقبول المحرمات والمفاسد والملذات؛ فقد قبل كسر كرامته وسارع في حمل الفأس لكسرها بسهولة!!!
وبالطبع هذا إنسان أهان وكسر كرامته بيده وبطواعيته!!!
أما الإنسان ذو الكرامة، فإنه ينأى بنفسه من الوقوع في تلك المصائد والمكامن القذرة، ويترفع عن مواطن الشبهة والخلل، فإحساسه بقيمة نفسه وذاته يجعله يسمو بها عن كل ميل وانحراف، وقبول أي أمر يخدشها أو يستنقصها.
وفي الوقت نفسه لا يقبل أن أحدَّ يتعدى عليه وعلى كرامته، لأن الكرامة بالنسبة له خط أحمر لا يسمح بتجاوزه، ومتى حصل وتم التجاوز فإن المتجاوز أوقع نفسه في منطقة الخطر؛ التي يشعر حينها صاحب الكرامة بأنه لا قيمة له ولا اعتبار، وأن غيره أفضل منه، ليتحول إلى إنسان مختلف أو وحش كاسر لديه الاستعداد لتدمير كل من أمامه، والانتقام كل من نال من كرامته ودخل المنطقة المحظورة الخاصة به.
وهذا الشعور نابع من شعوره بأنه إنسان مرفوض من الأخر ولا قيمة له ولا اعتبار؛ فإذا كان كذلك فإنه سوف يقدم على كل أمر دون أن يبالي أو يراعي من أمامه أو حوله حتى يسترد كرامته المسلوبة منه.
وبالطبع يكون في هذه الحالة؛ ويبدر منه هذا التصرف المخالف؛ إذا فقد السيطرة على نفسه وتصرفاته، ولم يتحلى بالحلم والصبر حتى يتجاوز المحنة ويرد كرامته بالطرق المشروعة دون أن يؤذي نفسه أو غيره، ويقول الشاعر:
العظـم كـــســـره يكفي الوقت جـــبره ...... وكسر الكرامة ما له أيات جابر
والوقت لو عقب الحلا أسقاك صبره ...... خلك على قاسي لياليه صابر
الصــبر درب به فــــــرج من يعـــبره ...... أهل التقى به حد ثم با المنابر
فالصبر والحلم والحكمة والروية تمكن الإنسان من استرداد كرامته والانتصار لنفسه دون أي ضجيج، ويزدان الأمر إذا ارتبط بتقوى الله - سبحانه وتعالى - وسار على نور وهدى منه، واتبع ما جاء به الإسلام؛ فالإسلام يؤكد على وجوب صيانة كرامة الإنسان والذود عنها، وكذا التشريعات البشرية والقوانين تجتمع على هذا الأمر، لتمنع النيل من كرامة أي إنسان، أو السخرية والاستهزاء به والتحقير له، والنصوص القرآنية والأحاديث النبوية الدالة على ذلك كثيرة.
كرامة الإنسان هي حجر الزاوية في الصلاح والفساد، والإيجابيات والسلبيات، للفرد والمجتمع، فمتى تمت صيانة كرامة الإنسان كانت أعماله إيجابية وينعكس ذلك على المجتمع والوطن بأسرة، فيكون التطور والإنتاج القومي والاقتصادي والتطوير في كل مناحي الحياة، والعكس ينتج عنه الفساد للفرد الذي ينعكس على المجتمع والوطن، فيكون التخلف والتقهقر والركود الاقتصادي وتنشل التنمية الوطنية برمتها، وتحل بالأمم الكوارث من أوسع أبوابها، فتنهار القيم والأخلاقيات والعلاقات الإنسانية، التي لا يمكن أن تعود إلا بجبر كسر الكرامة وإعادتها لوضعها الطبيعي الذي يجب أن تكون عليه.
ولا يمكن تحقيق الكرامة الكاملة إلا بتحقيق العبودية لله وحدة، عندها سوف تكون كل أعماله لله دون سواه، وتكون على نور وهدى من الخالق - جل في علاه - وبهذا تكون له الكرامة والعزة والرفعة وعدم الخنوع والخضوع إلا لله - سبحانه وتعالى - وحده، وبذلك يصون الإنسان كرامته من أي خدش يؤثر فيها.
وخير طرق الوقاية من النيل من الكرامة أو المساس بها، هو أن يحافظ الإنسان على كرامته ابتداءً، ويعمل على زرع المضادات التي تساهم في حمايتها وتمنع وصول الآخرين إليها، بأن لا يظلم أحد ولا يتعدى عليه، ولا يستولي على حقوق الناس بغير وجه حق، وأن لا يعرض نفسه للخطر ومواقع الزلل والشبه والفتن والشك والريب، وأن لا يخاصم الجاهل والسفيه وقاصد الشر، وأن لا يسلم نفسه ليقاد كالبهيمة بحكم العادات والتقاليد التي تخالف الفطرة السليمة، وأن لا يتنازل عن حريته وشخصيته لغيره مهما كانت الأسباب.
فمتى حفظ الإنسان نفسه من كل مراتع الانقياد للنفس الأمارة بالسوء وللأهواء والنزوات حفظ كرامته وبالتالي صانها من التعريض لنيل الآخرين منها.
ولكن متى تعرض لكرامته أو كسرت فإنه لا ينتصر لها انتصار البهائم والسذج من البشر، بل عليه أن يتحلى بالصبر والحكمة والروية، وعدم الاستسلام للنفس الأمارة بالسوء خاصة في مثل هذه المواقف، وكذلك عدم الاستسلام والانكسار والتقوقع على الذات والاكتفاء باللطم والنياحة على ما تعرض له؛ بل أنه مطالب أن يستعيد قواه وأن يعود لخالقه ويستعيذ بالله من الشيطان الرجيم ويسأل الله أن يهديه الطريق الصحيح المستقيم لجبر ما كسر ولرد ما سلب منه ولتعزيز كرامته، ويضع لذلك استراتيجية واضحة المعالم والخطوط والخطوات التي سوف يسير عليها ويتبعها حتى يتحقق له استرداد كرامته ممن سلبها منه وتأكيد ثقته بنفسه وتعزيزها ورفع معنوياته دون خضوع أو خنوع لأحد من البشر.
وقبل الختام
لنتذكر أن لا أحد يهمه كسر الكرامة واستنقاصها إلا إنسان حاقد وحاسد ومريض أزعجه وأساء له نجاحي وتميزي وإبداعي، لذا هو يعمد إلى طعني من الخلف والسهر على سبي وشتمي، ولا ننسى قول الشاعر:
وإذا أتتك مذمتي من ناقض ..... فهي الشهادة لي بأني كامل
ولنتذكر أنه (لا يرمى بالحجر إلا الشجر المثمر) وأن الإنسان الواثق لا يجاري المرضى بما ذهبوا إليه؛ فإن مصيرهم مستشفى الأمراض النفسية لما يعانونه من اعتلال نفسي جعلهم يتخبطون وهم لا يشعرون.
شذرات بقلم
أبوعبدالعزيز
سليمان بن صالح المطرودي
المهـ رحال ـاجر
الرياض
21/5/1433هـ