2012/02/14

الطريق للشهرة !؟!

شذرات قلم
الطريق للشهرة !؟!

هناك من بحث عن الشهرة؛ فلم يصل إليها، بل وأخفق في تحقيقها وإن اشتهر ساعة من الزمان، فما لبثت أضواء شهرته وأن خفتت حتى انطفأت سريعًا.

وهناك من بحثت الشهرة عنه، فكان علمًا بارزًا بين أضوائها وهو لها كاره، وهذ هو من تبقى معه الشهرة في عصره؛ بل وتستمر بعد مماته، وهذا بناء على ما اشتهر به.

فليست الشهر مقياسًا للنجاح والتميز والإبداع والفردية فيما اشتهر به، فهناك من هم أكثر حظًا وشهرة وانتشارًا من غيرهم، وهم بالطبع من تعاملوا مع الشهرة بمنطق العقلانية وقيمة ما اشتهروا به وقدموه للأمة من علم وعمل نافع؛ لا لذات الشهرة.

وفي العالم خلق كثير من المتميزين المبدعين إلا أنهم غير معروفين لعدم شهرتهم، بينما نجد أمثالهم لم تتعدى رحلتهم في عالم التميز والإبداع كثيرًا، لكنه حظي بشهرة واسعة، وربما بجماهيرية عريضة؛ وهذا يؤكد بأن وسيلة إيصال الإبداع والتميز مهمة في الانتشار والشهرة.

ومن هنا لا نستغرب إذا ما ذكرت اسماء مبدعة ومتميزة في مجال معين دون ذكر آخرين هم في نفس المجال والتخصص؛ لأن الفارق أن هؤلاء أحسنوا توظيف إبداعهم وتميزهم، وغيرهم لم يحسنوا أو لم يوفقوا في التوظيف؛ فالتوظيف يلعب دورًا مهمًا وحيويًا في سعة الانتشار والشهرة، وهذا لا يعني أبدًا أن المبدع والمميز الذي لم يحسن توظيف انتشار أعماله مجهول أو غير معروف؛ بل هو كذلك ولكنه دون مستوى شهرة أعمال الآخرين.

فالشهرة والانتشار ليست مقياسًا حقيقيًا للإبداع والتميز والنجاح، وليس كل من حظي بالشهرة والانتشار هو مبدع ومميز.

فليت كل مبدع ومتميز في مجاله؛ يحرص على تقديم ما لديه ليستفيد منه الآخرون، دون أن يسعى لتقديم نفسه لينال الشهرة والانتشار دون بضاعته، لأنه وإن فعل أفلس وكسدت بضاعته.

فالشهرة لا قيمة لها دون بضاعة متميزة وراقية تخدم المجال الذي هي فيه وتفيد الوطن والأمة والشعوب الأخرى.

وفي الوقت نفسه هي دعوة للمبتدئين في عالم التميز والإبداع، بأن لا يستعجلوا الشهرة، بل عليهم أن يتريثوا حتى تنضج بضاعتهم التي سوف تشهرهم لا محالة، فكل العيب أن يكون جل هم الإنسان الشهرة والهرولة خلفها وخلف كل وسيلة انتشار بغض النظر عن تلك الوسيلة التي قد تهوي به في القاع فلا يقوم له بعد ذلك أي ذكر إلا بالفشل والخيبة والسقوط.

ولو نظرنا من حولنا لوجدنا نماذج رفيعة من علماء الأمة الذين زهدوا في الشهرة، وأخلصوا في تقديم بضاعتهم التي حملوا خدمة للدين الإسلامي وأمة الإسلام، فكانت لهم الشهر في عدد من فنون العلم الشرعي وكذا في الأدب والسياسة والاقتصاد والفلك وغيرها من العلوم التي نبغوا بها وعملوا واجتهدوا في تقديمها للأمة فكانوا مشاعل نور وهدى في تلك العلوم، وكانت ثمرة ذلك أن أتبعتهم الشهرة دون رضاهم لزهدهم فيها ورغبتهم فيما عند الله من الأجر والثواب العظيم، فكثير من العلماء الربانيين يستصغرون أنفسهم خوفًا من الشهرة لعلمهم بأنها لا تجر غالبًا إلى خير، فنجدهم لا يحملون الألقاب العلمية والاجتماعية، ولا يتصدرون المجالس، ولا يفرحون بالثناء عليهم؛ بل أنهم يحذرون منها في كل مجلس، ويعتبرون الشهرة من علامات عدم الصدق مع الله – سبحانه وتعالى – ومع ذلك كانت لهم الشهرة وسلطت عليهم وعلى أعمالهم الأضواء، وأعجب بهم الناس فكانوا قدوة في العديد من الميادين، وما ذلك إلا أنهم صدقوا مع الله فكتب الله لهم القبول والانتشار في الأرض، فكم هو جميل أن نطلع على سير هؤلاء العلماء والمشاهير الذين زهدوا في الشهرة فكانت لهم، لما لتلك النماذج من أثر على النفوس، وما فيها من عوامل تربوية، تقيم الأخلاق وتسمى بالنفوس للمعالي وقمم الإخلاص والعمل الصادق.

إلا أن مرض حب الشهرة داخل في قلوب الناس، فلوثها بعبودية الشهرة والأضواء، فجعل همه وهدفه تحقيق تلك الشهرة الزائفة؛ حتى يقول الناس عنه، ويعلو صيته بينهم؛ ليفسح له بالمجالس، وتنهال عليه وسائل الإعلام، ويصفق له عند كل حركة وسكون، ويبدأ بالسلام عليه وتقبيله وأخذ توقيعه للذكرى من هذا وذاك، لتكون له الشهر والشعبية بغض النظر عن الطريق الموصل إلى ذلك.

لهذا نجد أن هذا المريض يعيش معجبًا بنفسه، مغرورًا بأعماله التي وشحها بالرياء، وهو دائمًا في حسرة وندامة، يغدو ويروح وهو صفر اليدين، وإن كثرت أعماله لأنها كانت للشهرة فذهبت أدراج الرياح منثورة لم يحصد منها إلا العض على أصابع الندم ولا ت حين مندم، فالشهرة مكلفة ومتعبة ومعمية للبصر والبصيرة.

فالشهرة طريق الفتنة، وطريق الأنانية، وطريق الحسد، وطريق البعد عن الحق، وطريق مفارقة الجماعة، وطريق الشذوذ والمخالفة، وهذا ما وقع فيه من وقع من التطاول على الذات الإلهية – عز وجل – والنيل من المصطفى – صلى الله عليه وسلم – رغبة في الشهرة والظهور الإعلامي لبلوغ الآفاق بأسرع الطرق وأيسرها وهو متقوقع في بيته وأمام شاشة جهازه، فماذا كانت العاقبة لهذه الغاية المقيتة والهدف الرخيص! الذي أورده في مزلق خطير رمى به خارج أسوار الإسلام، وكلفه وكلف أهله وذويه ومجتمعة وأمة الإسلام الشيء الكثير.

وكل شهرة مخالفة للحق فهي تكون خالية من صدق مع الله – سبحانه وتعالى – وتقواه في كل الأمور والثبات على الحق قولاً وعمالاً، فإنها شهرة مقيتة مهلكة لا خير فيها.

أعاذنا الله وإياكم من الشهرة وأضوائها والهرولة في سرابيل هواها وغرابيل حبها، وهدانا للحق والصواب، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا وحبيبنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

شذرات بقلم
أبوعبدالعزيز
سليمان بن صالح المطرودي
المهـ رحال ـاجر
الرياض
22/3/1433هـ