2012/01/31

أبناء الموفدين هموم غربة وتعليم

شذرات قلم
أبناء الموفدين هموم غربة وتعليم

لا يخفى على أحد ما يحظى به قطاع التعليم في المملكة العربية السعودية من عهد الملك المؤسس ‏عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود – طيب الله ثراه – إلى عهدنا الزاهر عهد خادم الحرمين ‏الشريفين الملك الصالح / عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود – حفظه الله ورعاه – من رعاية واهتمام ‏كبير ومتنامي بالتعليم؛ وتتأكد هذه الرعاية والاهتمام في كلمة خادم الحرمين الشريفين، التي قال ‏فيها: (يجب أن يدخل العلم كل بيت في هذه البلاد وأن يستضيء المواطنون في حقولهم وأماكن ‏عملهم بنور المعرفة) وهذا نابع من إدراكه – أيده الله بتوفيقه – للأثر البالغ للتعليم في بناء ‏الأجيال وتحقيق الاستثمار الأمثل في الثروة الحقيقية للوطن، ويتضح ذلك جليًا في تخصيص القدر ‏الأكبر من الميزانية العامة للدولة كل عام لقطاع التعليم، والتوسع في إنشاء الجامعات والكليات ‏والمدارس، تحت منظومة من المؤسسات التعليمية والتربوية المتخصصة في مختلف مناطق ‏المملكة؛ فقد قفز التعليم في بلادنا قفزات نوعية وفريدة وتطور تطورًا جوهريًا وفق تخطيط ‏استراتيجي وسياسة متزنة في تنمية التعليم وتطويره من وضع أول لبنة للتعليم في المملكة ‏بإنشاء مديرية المعارف عام 1344هـ؛ بأمر من الملك المؤسس – طيب الله ثراه – إلى هذا ‏العهد الزاهر، وهذا للوصول لأفضل مخرجات التعليم التي تهيئ الطالب لخوض معترك العمل ‏والحياة، بعد احتضانه في بيئة تعليمية متميزة؛ بريادة معلمين أفذاذ، وتطبيق أحدث وسائل التعليم ‏العالمية وتشييد أحدث المباني والمقرات، وتجنيد كافة الطاقات والإمكانات التي تحقق تطلعات ‏الدولة التي تستشرف مستقبل تعليمي عالمي متميز.‏



ومن فضل الله – سبحانه وتعالى – تمكنت الدولة من تحقيق معجزة على أرض الواقع بأن صنعت ‏دولة حضارية متميزة فوق رمال الصحراء، ولم يكن لهذا الأمر أن يتحقق لولا توفيق الله – ‏سبحانه وتعالى – ثم حكمة الدولة وبعد نظرها وسياستها الثابتة والثاقبة في التربية والتعليم.‏

ولم تقف الدولة عند هذا في التعليم؛ بل تجاوزته لدعم التعليم في الدول الشقيقة والصديقة وأبناء ‏الجاليات الإسلامية في كل مكان، فكانت المنح الدراسية والهبات والمعونات التعليمية، وإيفاد ‏معلمين سعوديين، والتعاقد مع معلمين على نفقة المملكة للتدريس في تلك المدارس، كما أسست ‏المملكة عددًا من الكراسي العلمية للدراسات العربية والإسلامية في عدد من الجامعات الشهيرة ‏في العالم، وهذا لإيمان المملكة بأن رسالتها عالمية وأن دعوة البشرية إلى الإسلام هو ترجمة ‏عملية من خلال نشر التعليم الذي هو وسيلة بناء الأرض وإعمارها ونبراسها المضي لها الطريق ‏إلى الاستخلاف الأمثل للإنسان على البسيطة.‏

كما عمدت المملكة إلى افتتاح عدد من المدارس والمعاهد والأكاديميات السعودية في بعض الدول ‏الشقيقة والصديقة، التي حققت مكانة مرموقة وسمعة ممتازة بين المؤسسات التربوية والتعليمية ‏في تلك الدول، لما امتازت به من تنوع وأصالة في المناهج التعليمية بمختلف مراحل التعليم العام ‏للبنين والبنات، ولما تطبقه من طرق تربوية حديثة في العملية التعليمية، مما أدى إلى نمو أعداد ‏الطلبة في تلك الأكاديميات والمدارس عامًا بعد عام، وجعل العديد من الدول والجهات تطلب من ‏المملكة افتتاح المزيد من المدارس والمعاهد السعودية في الدول التي لا يوجد فيها مدارس ‏مناسبة لأبنائهم؛ حيث أن تلك المدارس لم تكن مدارس تقليدية؛ بل تعدت ذلك لتكون مراكز إشعاع ‏للدين الإسلامي وللغة العربية وترسيخ المفاهيم الوسطية المعتدلة، التي تعين أبناء المملكة ‏وأبناء العرب والمسلمين على المحافظة على ثقافتهم وانتماءاتهم.‏

وتلك المرافق التعليمية السعودية خارج المملكة خير معين لأبناء الموفدين والمبتعثين والعاملين ‏في سفارات خادم الحرمين الشريفين والممثليات والملحقيات والمكاتب السعودية في الخارج في ‏تمكينهم من مواصلة تعليمهم في محاضن ترومها وتطمئن إليها النفوس، خاصة في المرحلة ‏الابتدائية لما تنتهجه من أسلوب تعليمي وتربوي فريد؛ إذ أن سياسة المملكة في التعليم لهذه ‏المرحلة تستهدف: (تعهد العقيدة الإسلامية الصحيحة في نفس الطفل، ورعايته بتربية إسلامية ‏متكاملة في خلقه وجسمه وعقله ولغته وانتمائه إلى أمة الإسلام، وتدريبه على إقامة الصلاة، ‏وأخذه بآداب السلوك والفضائل، وتنمية المهارات الأساسية المختلفة وخاصة المهارة اللغوية ‏والمهارة العددية والمهارات الحركية، وتزويده بالقدر المناسب من المعلومات في مختلف ‏الموضوعات، وتعريفه بنعم الله عليه في نفسه وفي بيئته الاجتماعية والجغرافية ليحسن استخدام ‏النعم وينفع نفسه وبيئته، وتربية ذوقه البديعي وتعهد نشاطه الابتكاري، وتنمية تقدير العمل ‏اليدوي لديه، وتنمية وعيه ليدرك ما عليه من الواجبات وما له من الحقوق، في حدود سنه ‏وخصائص المرحلة التي يمر بها، وغرس حب وطنه والإخلاص لولاة أمره، وتوليد الرغبة لديه ‏في الازدياد من العلم النافع والعمل الصالح، وتدريبه على الاستفادة من أوقات فراغه، وإعداد ‏الطالب لما يلي هذه المرحلة من مراحل حياته) وتلك الأهداف هي مطلب كل أب لأبنائه، فكيف ‏لذاك الأب الذي تحمل الغربة عن الوطن والبعد عن الأهل والأحباب، وتحمل مشاق السفر وغلاء ‏المعيشة وغيرها من المصاعب التي لا تخفى على أحد؛ ليخدم وطنه ويمثل بلاد الحرمين من خلال ‏موقعه الذي شرف بالخدمة فيه؛ لتكون تلك المدارس والمرافق التعليمية السعودية محفزًا له ‏وموقعًا يرومه وأسرته لأنه يربطه ببلاده ويشغله عن هموم الغربة والبعد عن الوطن، وليكون ذلك ‏خير معين له ليتفرغ للقيام بمهام عمله ومسؤولياته التي أوفد من أجلها، وليكون خير سفير ‏للمملكة في الخارج.

إلا أن ما صدر مؤخرًا حول إيقاف وزارة التربية والتعليم قبول الطلاب في المرحلة الابتدائية عن ‏طريق الانتساب في الأكاديميات والمدارس السعودية في الخارج وفي جميع مراكز الاختبارات ‏خارج المملكة اعتبارًا من العام الدراسي الحالي، لا يتماشي مع توجهات المملكة وحرص القيادة ‏على توفير فرص التعليم لأبناء المملكة أينما كانوا؛ وتخصيص طلاب المرحلة الابتدائية في هذا ‏القرار دون المرحلتين المتوسطة والثانوية؟ خاصة وأن موفدي وزارة التربية والتعليم لا محالة ‏سوف يتم إيفادهم لتقييم طلاب تلك المراحل !!! فكيف يوفد لاختبار طلاب المرحلة المتوسطة ‏والثانوية دون إخوانهم طلاب المرحلة الابتدائية ؟

ولا يخفى على وزارة التربية والتعليم ما للمرحلة الابتدائية من أهمية في تأسيس الطالب وغرس ‏القيم الأخلاقية والتربوية وتنشئته تنشئة إسلامية قويمة صحيحة وفق المنهج المعتمد من قبل ‏الوزارة الذي يتماشى مع سياسة المملكة في التعليم والذي سبق الإشارة إليه أعلاه، ولا يخفى ‏على الوزارة خطورة تلقيهم التعليم في مدارس غير إسلامية كانت محلية في الدولة التي يقيمون ‏فيها؛ أو عالمية، وتأثير ذلك وانعكاساته على الطالب وأسرته والمجتمع السعودي في المستقبل، ‏لأن الطلاب ليسوا مجرد أوعية وأدوات لتخزين المعلومات، بل هم جسورًا تنتقل عبرها المفاهيم ‏والمعايير  والقيم والأنماط السلوكية بين الأجيال وبين المجتمعات المختلفة، والعمل على تهيئة ‏أجواء خالية من المقلقات والمشتتات والمنغصات مطلب على قدر كبير من الأهمية الذي هو من ‏الأساسيات التي تعنى بها وزارة التربية والتعليم لتهيئة بيئة تعليمية سليمة لأبناء المملكة ‏خارجها، وتشاركها في هذا المطلب وزارة الخارجية وجميع الجهات السعودية ذات العلاقة، لإعادة ‏النظر في هذا القرار فيما يعود على الطلاب بالخير العميم والنفع والفائدة، وللوطن بالصالح العام ‏الذي تغرب ذووهم من أجله، ليتم قبول دراسة واختبارات جميع الطلاب والطالبات في جميع ‏مراحل التعليم العام على حد سواء؛ بل أن المرجو والمنتظر هو العمل على افتتاح مدارس وفصول ‏دراسية في الدول والمدن التي يتواجد فيها طلبة سعوديين ولا يوجد فيها مدارس وأكاديميات ‏سعودية ليلتحق من خلالها الطلبة بالدراسة.‏

وأجزم بأن سمو وزير التربية والتعليم وجميع المسؤولين في الوزارة لن يهدى لهم بال حتى ‏يجدوا الحل المناسب والناجع الذي يعود على أبناء الوطن في الخارج وذويهم بكل خير وفائدة وفق ‏تطلعات القيادة الرشيدة التي لن تتوانى في تلبية كل ما من شأنه راحة وطمأنينة المواطن ‏ورفاهيته أينما وجد وكان.

شذرات بقلم
أبوعبدالعزيز‏
سليمان بن صالح المطرودي
المهـ رحال ـاجر
الرياض
8/3/1433هـ

نشرت تلك الشذرات في صحيفة الجزيرة
لهذا اليوم الخميس الموافق 17/3/1433هـ
العدد رقم 14378 صفحة " وجهات نظر "
على هذا الرابط
http://www.al-jazirah.com/20120209/rj3d.htm

نشرت تلك الشذرات في صحيفة أثير الإلكترونية
http://www.atheer3.com/articles.php?action=show&id=1306