2011/03/31

كان – رحمه الله –


شذرات قلم

كان – رحمه الله –




كان – رحمه الله – ولا يزال حاضرًا في ذاكرتي وفي قلبي وأمام عيني وفي مسمعي، لم يغب ولن يغيب بإذن الله – سبحانه وتعالى – لما له في القلب من منزلة ومحبة خالصة لوجه الله – تعالى –.

فلم يكن أخي وشيخي وأستاذي وصديقي أبا مرام فضيلة الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن سليمان المطرودي، يومًا أو لحظة بعيدًا عني خاصة بعد وفاته، ولا أذيع سرًا إن قلت أنني حاولت أن أنساه خلال الفترة الماضية من بعد وفاته إلا أنني لم أستطع ولم أتمكن وكيف يكون لي ذلك، وقد كان هو من يغرس فيني بذرة الخير والحب والوفاء والتسامح والتواصل بكل إخلاص وتفاني.

فقد كان – رحمه الله – أبًا وأخًا وصديقًا وزميلاً وحبيبًا، صادقًا واضحًا وفيًا .

كان – رحمه الله – كريمًا سخيًا لكل قاصديه من الأهل والأقارب والأصدقاء والزملاء والمحبين؛ حيث كانت ابتسامته مشرقة في استقبالهم قبل كلماته النابعة من القلب إلى القلب.

كان – رحمه الله – حريصًا على توثيق روابط المحبة والصداقة والتواصل مع الجميع، وتتأكد في اللقاءات الأسرية الصغيرة الخاصة به والكبيرة المتعلقة بالأسرة الأكبر والأكبر على مستوى العائلة والفخذ والقبيلة، فلم يكن يتأخر عن اللقاءات والزيارات والمشاركة في الأفراح والأحزان وتقديم العون والمساعدة والتحضير لها ودعمها رغم مشاغله العديدة.

كان – رحمه الله – حريصًا على عيادة المرضى من الأقارب والمعارف والأصدقاء والزملاء وغيرهم، بل ويحرص على أن يشفع لهم في دخول المستشفيات المتخصصة والنقل بالإخلاء الطبي، وكذا العلاج خارج المملكة؛ حتى دون أن يعرف من هو المريض.

كان – رحمه الله – جريئًا في الحق لا يخشى في الحق لومة لائم، كان مدافعًا عن دينه وعقيدته الإسلامية الصحيحة الواضحة بالدليل والبرهان، داعيًا للتمسك بالشرع القويم وحريصًا على الإتباع محذرًا من الابتداع، حريصًا على السماع من العلماء والأخذ برائيهم ومشورتهم، والسمع والطاعة لولاة الأمر في غير معصية الله، مبينًا الحق والصواب متى ما رأى ما يخالف ذلك في أي أمر يعلمه، لإدراكه لمقتضى الأمانة التي يحملها في النصح لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم، وأمانة موقع المسؤولية التي حملها.

كان – رحمه الله – ينبذ الفرقة بين المسلمين، ويتضايق كثيرًا من التصنيفات بين الجماعات الإسلامية، كان – رحمه الله – يتطلع إلى وحدة كلمة ورأي المسلمين وعدم تفرقهم.

كان – رحمه الله – مهتمًا كثيرًا بالأمن الفكري؛ ويقول الفكر إذا سلم من الآفات، سلم الناس من كل المخاطر والفتن والضلالات .

كان – رحمه الله – يحب الاعتدال في الأمور كلها، ويحب النقاش الهادئ والرزين المبني على الدليل والبرهان والحجة، دون الإسفاف بالأخر.

كان – رحمه الله – صبورًا متفائلاً راضيًا بقضاء الله، مخلصًا في عمله حريصًا على رفع الكلفة عن غيره، متواضعًا في تعامله محبًا للدعابة دون إحراج أو تجريح، يحب الخير والنصح والتواصي على الحق.

كان – رحمه الله – شديد الورع والتقوى والنزاهة في عمله الإداري وأداء مسؤوليات وظيفته وما يكلف به من أعمال.

كان – رحمه الله – قليل النوم، قليل الأكل، حريصًا على نفع الغير والسعي في مصالحهم والشفاعة للمحتاجين؛ بل كانوا هم شغله الشاغل، وكأنه لا شغل له إلا هم.

كان – رحمه الله – مهذبًا في عبارته مع من خالفه أو أساء له، يحفظ لسانه من سقط الكلام فيهم والانتصار لنفسه، وإن سئل عنهم قال: فيهم خير؛ ولعلك تسأل غيري فهم أعرف بهم مني، ومتى كان بين يديه أمر فيه خير لهم بادر في إدراج أسماؤهم دون أن يعلموا، وإن ناقشته في ذلك قال: خير ساقه الله لهم، فهل أكون حجر عثرة بينهم وبينه!؟!.

كان – رحمه الله – أحد حراس الأوقاف والجنود المجهولين الذين حفظ الله بهم الأوقاف؛ حيث عمل ليل نهار على انتشالها والنهوض بها واستثمارها وتحقيق مصارفها الشرعية، ولم يكن ينسب شي من ذلك لنفسه، كما أن الأموال سالت بين يديه وبإمكانه النيل منها دون أن يشعر أحد إلا أنه أبى – رحمه الله – حرصًا منه على أداء الأمانة والمسؤولية التي في رقبته، ولإبراء ذمته وذمته من حمله المسؤولية في الحفاظ عليها، فكان خير حارس لها بتوفيق من الله – سبحانه وتعالى – .

كان – رحمه الله – جنديًا مجهولاً في ميدان الدعوة إلى الله، وإصلاح ذات البين فكانت له – رحمه الله – بصماته الدعوية في الداخل والخارج, فقد ساهم في تشييد عشرات المساجد وجمعيات البر الخيرية وجمعيات تحفيظ القرآن الكريم في الداخل، كما كان له جهود كبيرة في نشر الدعوة خارج المملكة في أوروبا وأسيا وأفريقيا وأمريكا من خلال العمل على تشييد المساجد والمراكز الإسلامية ودعمها إداريًا وماديًا ومعنويًا، وكفالة الدعاة واختيارهم وتوجيههم ودعمهم, فلم تكن الدعوة بعيدة عنه بل كانت هم من همومه؛ إلا أنه كان يعمل بخدمتها بكل صمت دون كلل أو ملل؛ بعيدًا عن الأضواء والمنابر الإعلامية.

فكان همه نشر رسالة التوحيد الخالص, وتعريف الناس بأمور دينهم, فصدق مع الله في هذا الميدان فكان الله عونًا له في التوفيق للطرق الصحيحة السليمة التي مكنته من خدمة الدعوة في كل مكان.

مرَّت الأيام والأيام في حياته وكأنها لحظات مع هذا الرجل المبارك الذي بذل من نفسه ووقته وفكره وجاهه وماله، إلا أنها توقفت وثقل دبيبها من بعد رحيله رحمه الله رحمة واسعة !!!!

كان – رحمه الله – يعطر أيام حياته بكل الصفات والأعمال التي تشرف النفس في تلقيها وذكرها.

كان – رحمه الله – معطرًا أجواء حياته بالدعم والتشجيع والحرص على تبني الآخرين وتوجيههم الوجهة الصحيحة، وإرشادهم إلى مواقع الخطوات التي يجب أن يسلكوها ويضعوا أقدامهم فيها ليتمكنوا من الوقوف في الموقف الصحيح ويعتلوا عالي القمم بكل فخر وشموخ.

كان – رحمه الله – المشجع الأكبر لكثير من الشباب الذين عملوا تحت إدارته، فكان يحثهم على مواصلة الدارسة، والإبداع والابتكار والتميز وتطوير النفس والذات، بشكل مباشر وغير مباشر، وكان بكل ذلك يشعر بالسعادة وهو يقوم بذلك، بل ويرى نفسه في هؤلاء الشباب الجادين الطموحين ويفخر في دعمهم والشفاعة لهم وتذليل الصعاب التي قد تقف عائقًا في طريقهم، كل ذلك خالصًا لوجه الله تعالى، فلم يسبق أن قام بشيء من ذلك رغبة في المقابل أو التخطيط للاستفادة المستقبلية.

كان – رحمه الله – رغم كل ما هو عليه وما يقوم به لا يحرص على سماع أصوات المدح والثناء عليه والشكر له والإشادة بما يقوم به، بل كان يحرص على سماع الأصوات الناقدة له ليعمل مباشرة على تصحيح الخطأ إن كان وقع فيه، والتراجع عن أي عمل يكون قد أقدم عليه وتبين له أنه يسير في الاتجاه غير الصحيح، أما إن كان الناقد ناقد حقد وحسد وإساءة فإنه يغلق مسامعه وكذلك لسانه عنه ويقول غفر الله لي وله وهدانا للحق والصواب.

كان – رحمه الله – ناصحًا موجهًا لي، وقد كنت أستشيره كثيرًا في كثير من الأمور، وكان صاحب رأي وكثيرًا من يناقشني قبل أن يشير علي، ووأذكر في هذا الميداني أنني استشرته قبل وفاته - رحمه الله - في ترشيح معالي الدكتور / صالح بن سعود آل علي ، رئيس هيئة الرقابة والتحقيق، لي بأن أتولى إدارة العلاقات العامة والإعلام بالهيئة " تكليفًا " وذكرت له – رحمه الله – بأنني لا أرغب في تولي هذا الموقع، وأنني لا أملك مقومات تولي تلك الإدارة، فقال لي : هل هو من رشحك أم أنت من طلب؟ قلت: بل هو من رشحني، قال: إذن توكل على الله واقبل، وأعلم بأن الشيخ صالح رجل حريص ونقي ويحب الخير وهو ما رشحك إلا أنه قد وجد فيك ما يؤهلك، ورأى فيك ما سوف تحققه في هذا الموقع دون أن تراه أنت، وكن مع معالي الشيخ......... وأوصاني بعدد من الوصايا التي لا زالت في ذاكرتي إلى هذه اللحظة.


رحم الله فضيلة شيخنا الدكتور عبدالرحمن بن سليمان المطرودي، وأحسن عزاءنا وأهله ومحبيه جميعًا والوطن فيه.

والله نسأل أن يجعل ما اتصف به من أخلاق وصفات حميدة شافعة له وأن لا يحرمه أجر ما قام به وما قدم من أعمال في خدمة الدعوة والمحتاجين، وأن يثقل بها موازين أعماله وأن يجعل كل ذلك حجة له وشاهد له، وأن يوفقنا لبره وأن يجمعنا به في جنته عرضها السماوات والأرض – إنه ولي ذلك والقادر عليه عز وجل – .



شذرات بقلم
أبوعبدالعزيز
سليمان بن صالح المطرودي
المهـ رحال ـاجر
الرياض
الخميس 26/4/1432هـ