شذرات
قلم
مكسور الجناح
هل يجبر جناحه أم يقتل أو يترك يموت ؟!؟
حبيبنا – صلى الله عليه وسلم – متفائل يحب التفاؤل وقد أوصانا بالتفاؤل في كل شؤون حياتنا؛ وهذا لأن التفاؤل هو بوابة الأمل للخير والسعادة التي لا تتحقق إلا عند حسن الظن بالله – سبحانه وتعالى – إذ أن الأمل هو ما يتحقق للنفس من راحة وطمأنينة وهدوء وثبات في المواقف كلها؛ تكتمل صورتها وبهاؤها بالإيمان، فمتى كان الإنسان مؤمنًا كانت حياته كلها خير وفي خير وعلى خير وإلى خير.
فكل ما خالف التفاؤل والأمل؛ من تشاؤم ويأس وقنوط، هو مُبعد عن كل معاني السعادة والطمأنينة الربانية التي وعد بها عباده، قال – عز وجل – (يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعًا إنه هو الغفور الرحيم).
فمتى كسرت جناحك أو شعرت بذلك لأي سبب من عوارض الدنيا فكن قويًا بالله –جل جلاله– متوكلاً عليه، متفائلاً بالأمل القادم بالخير العميم، وتذكر أن ما يمر به الإنسان من مواقف وعثرات، إنما هي محطات للتذكير بأهمية المراجعة والعودة للطريق الصحيح، وتذكر أنه لا يتحقق الحلم المطلوب إلا بالزرع والكدح والنصب والتعب والسهر وتحمل الأخطار والمجازفة دون كلل أو ملل، بل بالتوكل على الله – سبحانه وتعالى – وبالجد والعمل والمثابرة ومواصلة السير حتى بلوغ الهدف المؤمل في هرم القمة المنشودة.
لا خير في اليأس كل الخير في الأمل أصل الشجاعة والإقدام في الرجل
فكسر الجناح أو الشعور به؛ لا يعني النهاية، بل هو البداية الحقيقية لمواصلة المشوار بكل إصرار وقوة دافعة للكفاح والنشاط والحيوية، معززة بروح الأمل الذي يكون جبرًا للجناح المكسور وعوضًا عن كل الجبائر التي كنت تتوقعها وتحلم بها ممن هم حولك؛ خاصة ممن تربطك بهم أواصر الأخوة والمحبة والإخاء الخالص لوجه الله – تعالى – فإن بعدهم عنك وأنت في هذه الحالة يضاعف الكسر عليك ويطيل أمد الشفاء منها؛ فهم ضاعفوا كسر الجناح بكسر أخر في القلب وشرخه بعد أن كان يفاخر بهم وبحبه لهم، ذاك الحب الذي لا يساوم عليه.
إلا أني مع تلك الكسور المضاعفة في العظم والقلب والبدن، تمحوها نبتة الأمل مترعرعة –بحمد الله– في ربوع القلب؛ يحتضنها الإيمان بالباري – جل في علاه – ويسوقها التوكل عليه – سبحانه وتعالى – فهي تهدي النفس وتطمئنها لتظل بظلالها الوارف بالخير المبشر القادم – بإذن الله تعالى – فكانت الأمنيات والأحلام والآمال تسابق الريح مرفرفة في سماء الطموح والأمل، بكل تفاؤل وإيمان صادق.
فلا يعني تخلي ممن حولك عنك وأنت تعاني من جراحك، والدم ينزف منك بغزارة، وهم ينظرون إليك وقد وضعوا للثام على وجوههم وربطوا صدورهم بأيديهم ثم أداروا ظهورهم مبتعدين عنك جريًا وراء مصالحهم؛ بعدما تأكدوا بأنك أصبحت عاجزًا عن التحليق مرة أخرى –كما ظنوا وزعموا– فكان هذا التصرف منهم بمثابة الخنجر المسموم منهم في الظهر.
مما جعل نبتة الأمل تفرش أوراقها الوارفة في القلب، لتملؤه بالدفء والحنان، لتشعر بأن طريق النجاح والتفوق واللحاق بركب الناجحين طريق طويل وصعب وشاق يحتاج إلى قوة عزيمة وإصرار وأمل ويقين وتوكل.
هنا يجب أن تصرخ بصوت شجي فرحًا وطربًا بأن جراحك ملتئمة، وجناحيك سليمة متعافية، وأنك لن تكون طريح الفراش أو حبيس نظرات الشفقة والرحمة منهم، وتأكد بأنك لن تقف مكتوف الأيدي منتظرًا مساعدة من هذا أو ذاك، بل أعلنها مدوية بأن مكسور الجناح متماسك وواقف بكل قوة وثبات، وأنه ليس بحاجة إلى من يجبره أو يواسيه أو يقتله ليريحه من ألامه وجروحه، وأنه لن يموت بنزيف تلك الجراح؛ لأن كسور جناحيه جبرت وجراحه التأمت.
وليكن طريق النجاح والتفوق هو طريقك، والقمة هي هدفك في الحياة الدنيوية والجنة هي غايتك في الدنيا الأخروية، فالحياة قول وعمل وإصرار وإيمان وأمل وتفاؤل.
فالشمس تغيب وتشرق كل فجر مبشرة بيوم جديد، فغروب اليوم السابق لم يمنع أن يكون هناك فجر جديد تزفه أشعة الشمس المشرقة كل صباح، وهذه سنة الله في الحياة لنتعلم ونستفيد من تلك السنة الكونية الإلهية؛ لنعيش حياتنا كما أرادها الله لنا ونكون عباد الله بحق (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون).
شذرات بقلم
أبوعبدالعزيز
سليمان بن صالح المطرودي
المهـ رحال ـاجر
الرياض
14/5/1432هـ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق