2011/04/16

وداعًا أميرة المسؤولية الاجتماعية صاحبة الأيادي البيضاء

شذرات
قلم

وداعًا
أميرة المسؤولية الاجتماعية
صاحبة الأيادي البيضاء





إن العين لتدمع، وإن القلب ليحزن، وإنا لفراقك يا أم اليتامى وصاحبة الأيادي البيضاء في كل ميدان خير لمحزونون، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا: (إنا لله وإنا إليه راجعون) وجزاك الله عنا وعن الإسلام والمسلمين خير الجزاء، وغفر الله لك.

بقلوب مؤمنة بقضاء الله وقدره يا صاحبة السمو الملكي الأميرة/ صيته بنت عبدالعزيز ابن عبدالرحمن آل سعود، نتقبل نبأ وفاتك الذي تلقيناه مساء يوم الأربعاء 9/5/1432هـ ونحمد الله – سبحانه وتعالى – أن قبض روحك وأنت تشهدين أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، مؤمنة بقضاء الله وقدره، صابرة ومحتسبة على ما حل بك من داء وما صحبه من ألم عضال طوال الفترة الماضية، ولا غرابة في ذلك إذا علمنا أنك كنت على صلة دائمة بالمولى – عز وجل – بين كثرة سجود وقيام ليل ودعاء وخوف ورجاء، وحب للقريب والبعيد، غير حاملة في صدرك على أحد، تذكرين الناس بالخير ولا تقبلين أن يذكر أحد بالسوء وإن كان أهل لذلك.

خرجت من هذه الدنيا بالحب والخير – بإذن الله تعالى – وسط أحضان دافئة منك لأبنائك وبناتك؛ ورضى عن أخيك أبا متعب خاصة وجميع إخوانك وذويك عامة، وكل قريب لك وصديق ومحب، فقد قراء ذلك من كانوا لديك وأنت تنظرين إليهم بنظرات الوداع الأخيرة منك لهم، ومنهم لك، وإن لم يكن في خلد أحد منهم أنك راحلة في مساء هذا اليوم؛ فأحسن الله العزاء وجبر المصاب وعظم الله أجرنا فيك يا أم اليتامى ويا صاحبة الأيادي البيضاء في العمل الاجتماعي والخيري والإنساني، مصابك جلل على أبناءك وأحفادك عامة وأخيك والدنا أبا متعب – متعه الله بالصحة والعافية – وأهلك ومحبيك، فقد شوهد ذلك في دموعهم الصادقة عليك الرجال قبل النساء؛ وحق لهم أن تذرف عيونهم دموع الوداع والحزن على من كانت تجمعهم بحبها وحنانها ليخرج الجميع من عندك فرحين مسرورين بقلوب صافية متحابة مترابطة متعانقة، من مجالس كلها أنس بحرارة اللقاء، وصدق الحديث وعذوبته؛ فلا ضجيج ولا غيبة ولا نميمة ولا أحقاد، ولا تنكر لنعم الله على خلقه، فهنيئًا لك يا صاحبة السمو على ما أعده الله لك من أجر وثواب عن تلك اللقاءات والاجتماعات الفريدة من نوعها.

فأيديك البيضاء والطولى في دعم البرامج والأنشطة الخيرية عمومًا وفي الشؤون الصحية بالحرس الوطني على وجه الخصوص؛ هي شاهد لك على ما كنت تحملينه من هم في النفع العام وحرص على بذل الخير والعطاء التي أثمرت عن العديد من المشاريع والبرامج الخيرية الممتدة والباقية إلى قيام الساعة، أصلها ثابت وأجرها بالغ لك – بإذن الله وتوفيقه – والتي كان منها برنامج الأمان الأسري الوطني؛ وما نتج عنه من إنجازات متعددة ومتوزعة في مختلف مناطق المملكة، كمراكز حماية الطفل، والسجل الوطني لحالات إساءة معاملة وإهمال الأطفال لرصد وتوثيق حالات العنف الأسري؛ ولتوفير معلومات وبيانات علمية تخدم الباحثين والدارسين تخدم الاستراتيجيات الوطنية لحماية الأطفال بالمملكة.

وكذلك ما كان لك يا صحبة السمو من مبادرات خيرية؛ كسعفة الخير وسعفة بنت الوطن، وميثاق الأسرة، وغيرها من المبادرات التي تدل على أمومتك وحنانك ومشاعرك الوطنية الصادقة إذ أنت أول من كرم زوجات وأبناء شهداء الوطن المخلصين الذين قدموا أرواحهم الزكية ودمائهم الطاهرة فداء للوطن ضد الإرهاب.

فما قدمتيه على مدى ثمانون ربيعًا من أعمالٍ خيرية وحراك متميز في دعم العمل الخيري والأسري والاجتماعي في المملكة وتبنيه والسبق إليه؛ جعل لك مكانة خاصة في قلوب أبناء هذا الوطن، فأنت من كان يتلمس احتياجاتهم ويعالج أمورهم الأسرية والاجتماعية بكل صدق وصمت دون كلل أو ملل.

كم لك من قدرة خارقة على التحمل والصبر في هذا الميدان خاصة وفي ميدان الحياة عامة؛ وكم كنت شاكرة لله – سبحانه وتعالى – واثقة به – جل في علاه – فخلقك الرفيع، ورفعتك عن سقط متاع الحياة، وحبك للخير وسعيك فيه، جعلك تتجاوزين كل الصعاب التي واجهتيها في حياتك، لتغرسي وتربي في نفوس الأبناء والأحفاد كل الخصال الحميدة وحب الناس والخير لهم.

هذه مشاعر صادقة سكبها قلمي هنا لما سمعته عنك، رحمك الباري وتقبلك قبولاً حسنًا، وجعل مثواك جنة عرضها السماوات والأرض، لما خلفتي لنا من ثروة هائلة من حميد الصفات الجميلة الراقية الطيبة الذكر، المحاطة بالهمة العالية.

(كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام) ومما يبقى للإنسان في الحياة بعد رحيله إلا الذكر الحسن، وما يخلفه من أعمال صالحة وذرية صالحة بارة تواصل ما زرعه من خير، ليجني ثمرة ما زرع في أخرته.

فكم زرعتي فينا من حب للوفاء، وبنيتي في قلوبنا الصفاء، وعمقتي في نفوسنا الحب والإخاء، وأكدت فينا خصال النقاء والبذل والعطاء، ومسحتي من أذهاننا اليأس وسطرتي فيها التفاؤل والأمل، وأنت من علمنا أن نكون نحن، وأن لا ننخدع بالسراب والهرولة خلفه.

وإن كنت تركتينا اليوم جسدًا؛ فتأكدي بأنك في قلوبنا روحًا نابضة لا يمكن أن تفارقنا، ولا نقول هنا إلا الحمد الله رب العالمين يا صاحبة السمو ويا أم اليتامى والخير للوطن والمواطن، وعزائنا أن قدمت إلى خير من هذه الدنيا المتلاطمة بالأعفان.

لا حرمك الله أجر ما مر بك في حياتك، وجعل ذلك عتبات ينزلك بها خالقنا في أعالي جنته إنه ولي ذلك والقادر عليه – عز وجل – فإنا لله وإنا إليه راجعون، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

اللهم يا مالك الملك يا عظيم يا كريم يا رحيم ارحم صاحبة السمو الملكي الأميرة صيته بنت عبدالعزيز آل سعود برحمة واسعة وأسكنها جناتك وأرفع درجاتها في المهديين، وأكرم نزلها وأعل نزلها في عليين مع النبيين والصديقين والشهداء، وارزقنا الصبر والرضا والسلوان، وعوضنا في مصيبتنا لقياها في جنانك يا أرحم الراحمين.


 
شذرات بقلم
أبوعبدالعزيز
سليمان بن صالح المطرودي
المهـ رحال ـاجر
الرياض
12/5/1432هـ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق