شذرات قلم
الـنـاجـحــون
ما من أحد إلا ويرغب ويتطلع أن يكون من الناجحين، وأن يرى أبناؤه كذلك، إلا أننا نطمع ونتمنى النجاح دون أن نحرك ساكنًا لبلوغه والتنعم به وعيش أنفاس أفراحه وعبق تحقيقه!!
فمتى تصدرنا المجالس أو المنابر جعجعنا بالنجاح وقصص الناجحين، والتشويق للنجاح ونسماته، وكذا عندما نحدث أطفالنا نحضهم على النجاح والتربع على قمة هرمه، ونذكرهم بالطرق الموصلة إليه وأسبابه؛ وفي واقع الحال نخالف كل ذلك بين نوم وكسل وعبث وعدم احترام وقت أو فعل أسباب أو تخطيط أو تفكير أو أي أمر يقود للنجاح وأسبابه.
وهذا التناقض جعل من نخاطبه ومن نحضه يحتار بين همة بلوغ النجاح وما يرونه من واقع لا يوحي إلى تحقيق النجاح أو يقود إليه؛ خاصة الأبناء الذين يصطدمون بواقع يعيشونه وحلم يتوقون إلى بلوغه وتحقيقه.
ولا يختلف الحال بين واقع الأب والمربي في الميدان التربوي، فيسمع الطالب في مدرسته عبارات شحذ الهمم للعلياء؛ وما يشاهدونه من واقع عكسي وسلبي من - بعض الدخلاء على التعليم - من تخاذل في أداء واجبهم التعليمي والتربوي، وتقصيرهم في القيام بما كلفوا به من جدول دراسي، ليعيش الطالب بين المتناقضين في آن واحد، خاصة في مرحلة الغرس والبناء وهي المرحلة الابتدائية التي هي مراحل التأسيس الحقيقية للطلاب لينطلقوا بعدها في حياتهم التعليمية والحياتية بكل ثقة واقتدار.
ومثله الحال في المحيط الأسري والبيئة التي ينشأ فيها الطفل؛ فهو يشاهد العجب العجاب من المتناقضات المحيرة بين الأقوال والأفعال ما لا يكاد يصدقه عقل أو يقبل به فكر !!!
قيل: (الناجحون لا يولدون؛ بل يصنعون) وهنا ندرك أن النجاح هو نتاج عوامل داخلية وخارجية للناجح؛ خاصة في مراحل عمره المبكرة، تقوده للنجاح والتميز والإنفراد به دون غيره.
وهذا يعني أن النجاح ليس طريقًا مفروشًا بالورود أو أن الحصول عليه سهل (وهنا لا نعني من يولد وفي ثمه ملعقة من ذهب [مع تحفظي على هذه العبارة] الذي يخطف النجاح بما وفر وهيئ له من الأسباب والمسببات) بل أن النجاح المقصود هنا هو الذي يأتي من تعب الناجح نفسه وثمرة جهده ووقته وعرقه وصحته وتحمله لكل المصاعب والمشاق، حتى يصل إلى سلم المجد ويقطف ثمرة ذلك كله بالنجاح الذي يبهر الجميع.
النجاح الحقيقي لا يمكن تحقيقه من خلال جلسة سهر أو سمر، أو نوم واسترخاء، أو دعة وراحة بال، بل لا يأتي ولا يتحقق إلا بتقديم الغالي والنفيس له من تضحية وبذل وسهر وحرمان وجد وتحمل وإرهاق للجسم والفكر والعقل، وتخطيط وتحليل ووضع أولويات وتقديم ضروريات، ومراجعة وفحص وتدقيق حتى يتحقق الهدف المنشود، دون ملل أو كسل أو استسلام لمعولات الفشل والهدم المحيطة بنا وفي البيئات التي نعيش فيها.
ولو عدنا لتمحص قصص الناجحين الذين سادوا العالم بما قدموا وحققوا من نجاحات أبهرت العالم كله وجعلت صيتهم يذيع في كل أصقاع المعمورة، لوجدناهم ولدوا فقراء وعاشوا أيتام وقاسوا أنواع الصعوبات وتحملوا الكثير من المشاق وبذلوا الكثير من الجهد والوقت والعمل الدؤوب الجاد حتى حققوا ما حققوه من نجاحات قد يعجز الكثير من تحقيقها وإن توفرت لهم كل الأسباب، لأن هؤلاء كانت لديهم الهمة العالية والإرادة القوية، وغيرهم يفتقد لذلك.
فالطفل الذي يولد فقيرًا ويعيش يتيمًا ويجد من يحضه ويوجهه ويعتني به ويقوي عزيمته ويغرس لديه الثقة والهمة وقوة الإرادة، فإن مشاعر النجاح سوف تتنامى في داخله لتكبر معه ويكون من الناجحين حقيقة في مستقبل عمره.
وهنا نقول أن الناجح الحقيقي ليس هذا الطفل، وإنما من دعمه وغرس فيه الثقة وقوة الإرادة وروح النجاح، ونمى تلك المشاعر الإيجابية لديه من طفولته ونعومة أظفاره.
حتى أننا نجد اليوم أشخاصًا لا يمكن أن يتقبلون أي وصف دون وصفهم بالنجاح والتميز والإبداع والتطوير؛ لأنه تجذر فيهم إحساس النجاح، لكثرة ما تذوقوه وأطعموا به من طفولتهم.
الوصف بالنجاح ومترادفاته الإيجابية، تغرس في نفس الطفل غريزة النجاح والحب والمتعة والسعادة، وروح التحدي والعطاء والمغامرة.
ليصبح بعد ذلك عضوًا نافعًا في مجتمعه، محبوبًا من كل بيئة إيجابية؛ إلا بيئة الفشل والإفلاس والتخبط.
ومن هنا لا بد من غرس قيم النجاح ومشاعر الثقة والعزة لدى الناجحين بدأ من الأطفال منذ مراحل طفولتهم المبكرة، ليكونوا من العظماء الذين تفاخر بهم الأمم والشعوب، ويكونوا أعضاء فاعلين منتجين في مجتمعهم وباذلين لأمتهم، لهم منجزات وإبداعات ونجاحات متميزة لا يقتصر نفعها على محيطهم بل يمتد عبر الأجيال الممتدة.
وهذا كله بتوفيق الله - سبحانه وتعالى - وإرادته؛ ولا يتنافى أو يتعارض مع فعل الأسباب المعينة على ذلك.
شذرات بقلم
أبوعبدالعزيز
سليمان بن صالح المطرودي
المهـ رحال ـاجر
الرياض
14/11/1433هـ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق