2012/09/30

الناجحون

شذرات قلم
الـنـاجـحــون




ما من أحد إلا ويرغب ويتطلع أن يكون من الناجحين، وأن يرى أبناؤه كذلك، إلا أننا نطمع ‏ونتمنى النجاح دون أن نحرك ساكنًا لبلوغه والتنعم به وعيش أنفاس أفراحه وعبق تحقيقه!!‏

فمتى تصدرنا المجالس أو المنابر جعجعنا بالنجاح وقصص الناجحين، والتشويق للنجاح ‏ونسماته، وكذا عندما نحدث أطفالنا نحضهم على النجاح والتربع على قمة هرمه، ونذكرهم ‏بالطرق الموصلة إليه وأسبابه؛ وفي واقع الحال نخالف كل ذلك بين نوم وكسل وعبث وعدم ‏احترام وقت أو فعل أسباب أو تخطيط أو تفكير أو أي أمر يقود للنجاح وأسبابه.‏

وهذا التناقض جعل من نخاطبه ومن نحضه يحتار بين همة بلوغ النجاح وما يرونه من واقع لا ‏يوحي إلى تحقيق النجاح أو يقود إليه؛ خاصة الأبناء الذين يصطدمون بواقع يعيشونه وحلم ‏يتوقون إلى بلوغه وتحقيقه.‏

ولا يختلف الحال بين واقع الأب والمربي في الميدان التربوي، فيسمع الطالب في مدرسته ‏عبارات شحذ الهمم للعلياء؛ وما يشاهدونه من واقع عكسي وسلبي من - بعض الدخلاء على ‏التعليم - من تخاذل في أداء واجبهم التعليمي والتربوي، وتقصيرهم في القيام بما كلفوا به ‏من جدول دراسي، ليعيش الطالب بين المتناقضين في آن واحد، خاصة في مرحلة الغرس ‏والبناء وهي المرحلة الابتدائية التي هي مراحل التأسيس الحقيقية للطلاب لينطلقوا بعدها في ‏حياتهم التعليمية والحياتية بكل ثقة واقتدار.‏

ومثله الحال في المحيط الأسري والبيئة التي ينشأ فيها الطفل؛ فهو يشاهد العجب العجاب من ‏المتناقضات المحيرة بين الأقوال والأفعال ما لا يكاد يصدقه عقل أو يقبل به فكر !!!‏

قيل: (الناجحون لا يولدون؛ بل يصنعون) وهنا ندرك أن النجاح هو نتاج عوامل داخلية ‏وخارجية للناجح؛ خاصة في مراحل عمره المبكرة، تقوده للنجاح والتميز والإنفراد به دون ‏غيره.‏

وهذا يعني أن النجاح ليس طريقًا مفروشًا بالورود أو أن الحصول عليه سهل (وهنا لا نعني ‏من يولد وفي ثمه ملعقة من ذهب [مع تحفظي على هذه العبارة] الذي يخطف النجاح بما وفر ‏وهيئ له من الأسباب والمسببات) بل أن النجاح المقصود هنا هو الذي يأتي من تعب الناجح ‏نفسه وثمرة جهده ووقته وعرقه وصحته وتحمله لكل المصاعب والمشاق، حتى يصل إلى سلم ‏المجد ويقطف ثمرة ذلك كله بالنجاح الذي يبهر الجميع.‏

النجاح الحقيقي لا يمكن تحقيقه من خلال جلسة سهر أو سمر، أو نوم واسترخاء، أو دعة ‏وراحة بال، بل لا يأتي ولا يتحقق إلا بتقديم الغالي والنفيس له من تضحية وبذل وسهر ‏وحرمان وجد وتحمل وإرهاق للجسم والفكر والعقل، وتخطيط وتحليل ووضع أولويات وتقديم ‏ضروريات، ومراجعة وفحص وتدقيق حتى يتحقق الهدف المنشود، دون ملل أو كسل أو ‏استسلام لمعولات الفشل والهدم المحيطة بنا وفي البيئات التي نعيش فيها.‏

ولو عدنا لتمحص قصص الناجحين الذين سادوا العالم بما قدموا وحققوا من نجاحات أبهرت ‏العالم كله وجعلت صيتهم يذيع في كل أصقاع المعمورة، لوجدناهم ولدوا فقراء وعاشوا أيتام ‏وقاسوا أنواع الصعوبات وتحملوا الكثير من المشاق وبذلوا الكثير من الجهد والوقت والعمل ‏الدؤوب الجاد حتى حققوا ما حققوه من نجاحات قد يعجز الكثير من تحقيقها وإن توفرت لهم ‏كل الأسباب، لأن هؤلاء كانت لديهم الهمة العالية والإرادة القوية، وغيرهم يفتقد لذلك.‏

فالطفل الذي يولد فقيرًا ويعيش يتيمًا ويجد من يحضه ويوجهه ويعتني به ويقوي عزيمته ‏ويغرس لديه الثقة والهمة وقوة الإرادة، فإن مشاعر النجاح سوف تتنامى في داخله لتكبر معه ‏ويكون من الناجحين حقيقة في مستقبل عمره.‏

وهنا نقول أن الناجح الحقيقي ليس هذا الطفل، وإنما من دعمه وغرس فيه الثقة وقوة الإرادة ‏وروح النجاح، ونمى تلك المشاعر الإيجابية لديه من طفولته ونعومة أظفاره.‏

حتى أننا نجد اليوم أشخاصًا لا يمكن أن يتقبلون أي وصف دون وصفهم بالنجاح والتميز ‏والإبداع والتطوير؛ لأنه تجذر فيهم إحساس النجاح، لكثرة ما تذوقوه وأطعموا به من طفولتهم.‏

الوصف بالنجاح ومترادفاته الإيجابية، تغرس في نفس الطفل غريزة النجاح والحب والمتعة ‏والسعادة، وروح التحدي والعطاء والمغامرة.‏

ليصبح بعد ذلك عضوًا نافعًا في مجتمعه، محبوبًا من كل بيئة إيجابية؛ إلا بيئة الفشل والإفلاس ‏والتخبط.‏

ومن هنا لا بد من غرس قيم النجاح ومشاعر الثقة والعزة لدى الناجحين بدأ من الأطفال منذ ‏مراحل ‏طفولتهم المبكرة، ليكونوا من العظماء الذين تفاخر بهم الأمم والشعوب، ويكونوا ‏أعضاء فاعلين منتجين في مجتمعهم وباذلين لأمتهم، لهم منجزات وإبداعات ونجاحات متميزة ‏لا يقتصر نفعها على محيطهم بل يمتد عبر الأجيال الممتدة.‏

وهذا كله بتوفيق الله - سبحانه وتعالى - وإرادته؛ ولا يتنافى أو يتعارض مع فعل الأسباب المعينة ‏على ذلك.‏



‏شذرات بقلم
أبوعبدالعزيز
سليمان بن صالح المطرودي
المهـ رحال ـاجر
الرياض
14/11/1433هـ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق